مدونة " داماس بوست"

كتب أحمد أبا زيد عن المثقف النكد ومونديال قطر

 

قبل نحو ألف ومائتي عام وصف الجاحظ أصحاب الورع البارد أو بكلمة أخرى المثقف النكد، الذي يسمع نكات الناس بالعامية فيترفع عن ألفاظهم وشتائمهم ويظهر الاشمئزاز منها أو يحاول رواية أحاديثهم بلغة أخرى.

وصف مقطع تيكتوك شهير حالة شبيهة وهو يكرر “لا تقتل المتعة يا مسلم”.

في مونديال الدوحة الكثير من “لا تقتل المتعة يا مسلم”، ويا كافر أيضًا، المونديال عربي على أرض عربية لأول مرة في تاريخ كأس العالم بتنظيم مبهر، وأداء فرق عربية مبهر أيضًا، في أهم مناسبة لأهم رياضة تحظى بأوسع متابعة في العالم منذ مائة عام، وهذا ما اهتم به الناس فقط من شرق العرب لغربهم، التعالي على اهتمامات الناس وأفراحهم للقول إن الأمر ليس ما يبدو عليه، وإن كرة منفوخة بالهواء لا تستحق هذا الاهتمام، ليس في الحقيقة موقفاً سياسياً ولا إسهاماً ثقافيًا، بل هو مثقف الجاحظ النكد وقاتل المتعة التيكتوكي وعزلة الراهب الذي يصلي لنفسه.

عدا عما في الموجة المعارضة من تعالٍ هوياتي وأيديولوجي ظاهر، وتناقض أخلاقي فج حين لم يُسمع كل هذا الكلام في مونديال روسيا التي كانت تدكّ بالتزامن معه مدن سوريا وتسويها بالأرض وتدشن أكبر حملة تهجير في تاريخها.

هذا التعالي والتناقض يظهر سواء من قبل تيارات اليسار الليبرالي الأوروبي (وأتباعها العرب)، التي تخترع يومياً هويات جديدة وتدعو لحقوقها واحترامها وفرضها على ثقافة شعوب الأرض، ولكن تنظر لمظاهر الهوية العربية الإسلامية التي تمثل خمس الأرض باحتقار وتخلف، رغم أن العقال والحطة هي الثقافة المعاشة اليومية حتى الآن، بينما تحتفل الثقافات الأخرى حتى الآن في مبارياتها برموز وأزياء ما قبل الحضارة ويعتبر أمرًا مبهجاً.

أو من قبل بقايا خطابات الخمسينيات القومية واليسارية العربية التي يصعب عليها تقبل مركزية الخليج الثقافية والسياسية في عالم العرب اليوم، وتكرر ذات كلام العنصري الغربي عن البدو والنفط ومناعتهم عن الحداثة والتحديث.

ببساطة افرح مع الناس أو اتركهم، ولا تقتل المتعة يا مسلم، ويا كافر أيضًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى