مقالات الرأي

مصطفى النعيمي يكتب لـ”داماس بوست”: هل ستحد الاحتجاجات من تحرك الأذرع الإيرانية في المنطقة العربية؟

 

‏شهدت إيران ‏على مدار الأسبوعين الماضيين حالة غضب شديدة بعد أن أقدمت عناصر من شرطة الأخلاق الإيرانية على اعتقال فتاة بسبب “مخالفة الحجاب” وضربها على رأسها مما أدى إلى حدوث نزيف شديد داخلي وخارجي في رأس الفتاة أدى إلى فقدانها للوعي الكامل ونقلت على إثر الحادث إلى المستشفى وتوفيت حال وصولها.

‏وتعود أسباب الاحتجاجات إلى تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في عموم إيران وعدم اكتراث السلطات القائمة على تقديم أدنى درجات الحلول الممكنة لإنقاذ الشعب الإيراني على مدار الأزمات المتلاحقة نظرا لسلوكيات نظام الحكم العدائية تجاه الشعوب غير الفارسية وذلك منذ تولي الخميني للسلطة في 1979م.

‏وبعد إعلان وفاة “مهسا أميني” ‏انطلقت تظاهرات عمت الغالبية العظمى من المدن ‏الكردية وانتشرت بشكل كبير وذلك نظرا لأن المغدورة “مهسا” من القومية الكردية ‏وقام المحتجون بإحراق أغطية رؤوسهم في رسالة مفادها أن نظام الحكم القائم ليس من صلاحياته تحديد ارتداء وشكل غطاء الرأس من عدمه وإجبارهن على ارتداء اللباس الذي يتماشى مع رؤية نظام الحكم في طهران.

‏وتبع القومية الكردية على الفور القومية الأذرية ثم تبعتها القومية العربية في دولة الأحواز العربية المحتلة وكان من أهم القواسم المشتركة بين المحتجين “الأطر الوطنية الجامعة” ‏لكن النظام القائم في طهران يرفض أي نوع من التغيير عملا باستراتيجيته في معاقبة خصومه من خلال استخدام القبضة الأمنية المفرطة في المواجهة.

ويعتقد الكثير من المختصين في الشأن الإيراني أن النظام الإيراني محير لأبعد حد وحتى الفلاسفة عجزوا عن توصيف أنظمة الحكم المتعاقبة على مر العصور، وحصر أفلاطون الشطط في السياسة بنظامين فقط “ملكية فارس” و”ديمقراطية أثينا” وقال الأولى تمثل الإفراط في السلطة بينما الثانية تمثل الغلو في الحرية.

‏وقالت رئيسة الجمهورية المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية السيدة “مريم رجوي” في تغريدة لها على تويتر: “إن عدد شهداء ثورة الشعب الإيراني وصل إلى أكثر من 240 شخصا وعدد معتقلي الاحتجاجات وصل إلى 15 ألف معتقل في مظاهرات عمت 156 مدينة لتشمل كافة المحافظات الإيرانية بما في ذلك العاصمة طهران”، وأكدت أن النظام الإيراني “لن ينجح بقمعه الوحشي وقطع الإنترنت في احتواء هذه الاحتجاجات”.

وشددت رجوي على شجاعة المنتفضين في الجامعات، والتي بلغت 100 جامعة في العاصمة الإيرانية طهران وباقي المحافظات الإيرانية، والتي بلغت ذروتها في يوميي السبت والأحد من تشرين الأول / أكتوبر الجاري.

‏ومن انعكاسات مطالبات المحتجين التي بدأت بحرية المرأة انتقلت على الفور لتشمل إسقاط رموز الحكم وصولا إلى المرشد الأعلى، وبدأ المتظاهرون بحرق صور رموز الحكم منهم الخامنئي إضافة إلى قاسم سليماني زعيم ميليشيا فيلق القدس الإيراني الذي قتل بغارة جوية أمريكية على مطار بغداد الدولي والتي باتت تحمل في طياتها دلالة واضحة على استثمار المتظاهرين لهذا الحجم من الغضب الشعبي تجاه توظيفه ضد نظام الحكم القائم في طهران.

‏تكتيك نظام الحكم الإيراني في مواجهة المتظاهرين لن تتغير، فمنذ أن اجتاحت الاحتجاجات البلاد زج بأجهزته الأمنية وقسم منها كان باللباس المدني، ‏وذلك من أجل التشويش على مطالب المتظاهرين وذلك من خلال التكتيك السابق ذاته في مواجهته انتفاضة البنزين عام 2019 والتي من خلالها قام بحشد مؤيديه وحشد لمسيرات عرفت في حينها “شارع مقابل شارع” ‏لكنها نجحت في حينها ونتيجة للقبضة الأمنية المفرطة ‏وعدم التعاطف الدولي مع تلك التظاهرات المناوئة تمكن النظام الإيراني من احتوائها.

‏ويذهب مراقبون إلى أن التظاهرات يجب ألا ينظر إليها من زاوية هل ستسقط النظام أم لا، وإنما من زاوية أخرى والتي تحدد بأنه هنالك مشكلة داخلية كبيرة وحقيقية ‏وليس لها أي ارتباط بالخارج كما يقوم بتسويقها، واليوم أثبتت المرأة الإيرانية بأنها تقف صفا واحدا في مواجه المعممين وبأنه لا يجرؤ على مواجهتهن في ظل وضعه تحت المجهر الدولي.

‌‏والمظاهرات التي تجري اليوم أثبتت من خلال حجم الانتشار بأنها باتت تشكل عامل إحراج حقيقي للولايات المتحدة وأوروبا وتظهر مدى ازدواجية المعايير المتبعة تجاه تعاطيها مع دول منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من النفوذ الإيراني.

وأنا أرى بأن الاحتجاجات ستستمر حتى وإن لم يتوفر الغطاء أو الدعم الدولي ‏والسبب في ذلك يعود إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اليوم منشغلون في الحرب الأوكرانية وكذلك في التحشيد البحري في محيط الجزر التايوانية وذلك لتأمين عدم التحرش من قبل الصين وعدم إقدامها على أي محاولة ‏تغير من قواعد اللعبة الدولية، لذلك تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على تقديم الدعم اللوجستي والعسكري الكامل ‏لمنع أي محاولة ‏تقدم عليها الصين وهذا يعيق أي محاولة للولايات المتحدة في تقديمها الدعم للاحتجاجات القائمة في إيران.

التحديات التي تواجه النظام الايراني

‏من أبرز تلك التحديات تهديد العمال والموظفين إدارتهم بأنه إذا استمر الأمن في حملاته القمعية ولم يطلق سراح جميع الموقوفين فإنهم سيتوقفون عن العمل وسينظمون مظاهرات احتجاجية تفضي إلى حملات من الممكن أن تصل إلى حد الإغلاق وهذا ما يخشاه النظام الإيراني.

‏وإصرار المتظاهرين والجمعيات المنظمة التي أظهرتها بعض المقاطع المرئية بأن قوات الأمن تهاجم المتظاهرين وتعتقل الكثير منهم في كلية الطب بشيراز مما أدى إلى حالة غضب كبيرة ورفع التصعيد الخطابي للمحتجين وهتفوا “يا عديمي الشرف” و”الموت للنظام” و”الطالب يموت ولن يقبل الذل” كما التحق بهم مجموعة من الطلاب في جامعة الفنون في شيراز جنوبي إيران وأعلنوا تعليقهم للدراسة ردا على القمع الممارس ضد المتظاهرين والطلاب في أنحاء البلاد.

‏مبررات قمع المتظاهرين

‏رغم التنبيه المحلي والإقليمي والدولي إلا أن نظام وزير الخارجية “‏أمير عبد الهيان” ‏دافع عن ‏الممارسات القمعية ضد المحتجين وقال إن “إيران ليست مكانا للانقلابات أو الثورات الملونة” ‏في إشارة واضحة لتجاهل مطالب المتظاهرين، وادعى بأن النظام ‏الإيراني سيلبي مطالب الشعب لكنه يتعامل مع ما يريده الشعب ولا يقبل بأي تأثيرات خارجية وذلك بتنفيذه للقوانين‏ ‏الناظمة في البلاد.

‏ردود الأفعال الأممية والدولية

‏قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ‏إن المنظمة ‏تشعر بقلق متزايد إزاء التقارير ‏التي تتحدث عن زيادة عدد ضحايا الاحتجاجات بمن فيهم ‏النساء والأطفال وتطالب بفتح تحقيق سريع ‏ونزيه وفعال على يد سلطة مستقلة حول ملابسات وفاة مهسا أميني.

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية بأنها مستعدة لتصدير بعض معدات الإنترنت العاملة عبر الأقمار الصناعية لمساعدة المحتجين في إيصال صوتهم إلى العالم وذلك بعد أن طالب “إيلون ماسك” إعفاء إيران من العقوبات المتعلقة بالتكنلوجيا الخاصة بإيصال الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستار لينك”.

هل حَدّت الاحتجاجات من تحركات الأذرع الإيرانية في سوريا؟

تشير المعلومات الواردة من الشريط الحدودي من منطقة القلمون وصولا إلى مدينة القصير ثم إلى البحر الأبيض المتوسط إضافة إلى المنطقة الوسطى بأنها تشهد انسحابات مستمرة إثر الضربات الإسرائيلية والاحتجاجات في إيران، إضافة إلى أن إيران تحاول تصدير أزمتها الداخلية في شمالي العراق من خلال القصف المدفعي والطائرات المسيرة التي تستهدف المدنيين العزل، والتي تدعي إيران وجود عناصر من حزب العمال الكردستاني الإيراني في المنطقة، وبالمقابل نفت الحكومة العراقية تلك الادعاءات وصعدت دبلوماسيا باستدعائها للسفير الإيراني في بغداد.

ومنذ انطلاق الاحتجاجات تشهد سوريا والعراق واليمن هدوءًا نسبيا في التصعيد العسكري للقوى المحلية والمرتبطة بمشروع ولاية الفقيه في دلالة واضحة على أن نظام الحكم في طهران مرتبك جدا ولم يتوقع توسيع نطاق الاحتجاجات التي اجتاحت إيران والتي ستلقي بظلالها في القريب العاجل على التواجد الإيراني في سوريا، وستؤدي إلى انسحاب الكثير من منتسبي فيلق القدس وذلك لقمع التظاهرات الجارية في البلاد وربما قد يتطلب أيضا جهودا مضاعفة للأذرع الولائية المنتشرة في الشرق الأوسط للالتفات إلى الداخل الإيراني والمساهمة بتقديم الدعم الكامل لنظام الحكم في المرحلة التالية إن لم يتمكن نظام الحكم من إخماد الاحتجاجات.

خلاصة في الاحتجاجات الإيرانية

القمع المستمر الممارس ضد الإيرانيين سيؤدي حتمًا إلى انفجار كبير خاصة وأن القاسم الوطني الذي التف حوله المحتجون المتضررون من سلوكيات النظام العدائي تجاه أبنائهم ودول الجوار وانعكاسات تلك السلوكيات بات يتأثر به المواطن الإيراني بشكل مباشر، وذلك بعد حزم العقوبات الأمريكية المتواترة.

لكن السؤال اليوم: هل ستسقط النظام الإيراني تلك الاحتجاجات؟ أم أنه سيحتويها باستراتيجيته في استخدام القوة المفرطة لإجهاضها في مهدها؟ أم ستشكل تلك الحالة من الاحتجاجات مزيدًا من العقوبات على النظام وستحد من نشاطه وصولا إلى تفكيكه داخليا؟ لا سيما بعد اعلان انشقاق ضابطين من منتسبي القوات الجوية الإيرانية والتي بدورها ستساهم في تعزيز الانشقاقات التي ستؤدي إلى إنهيار حتمي لمنظومة الحكم القائمة على الاستبداد المطلق، أم سيلبي المجتمع الدولي نداءات الاستغاثة ويقدم الحماية للمدنيين العزل ويمنع النظام من استخدامه المفرط للقوة العسكرية في تعاطيه مع الاحتجاجات الدائرة في البلاد؟

مصطفى النعيمي

كاتب سوري ومحلل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى