تشهد العلاقة بين الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان توتراً متصاعداً
بينما تشهد العلاقة بين الحكومة العراقية وسلطات إقليم كردستان توتراً متصاعداً على خلفية قرارات قضائية صدرت مؤخرا ندّدت بها أربيل، معتبرة أن هدفها “تقويض صلاحياتها”، وبهذا يبدو أنه حان وقت تصفية الأخطاء.
فقد رأى خبراء ومسؤولون سياسيون أنه بعد عقود من صراعات مدمّرة، تستغل بغداد فترة من الاستقرار النسبي في البلاد لتعزيز قبضتها على كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي، وإعادة بلورة علاقاتها مع الإقليم.
وأشاروا إلى التوتر الأخير الذي نشأ بشكل رئيسي بسبب قضايا تتعلق بصادرات النفط من الإقليم، ودفع رواتب موظفي مؤسساته الرسمية، فضلاً عن الانتخابات التشريعية المحلية.
وقال مسؤول سياسي في بغداد رفض الكشف عن اسمه لحساسية القضية، إن الوقت حان لـ”تصحيح أخطاء” سابقة، وفقاً لوكالة “فرانس برس”، موضحاً أن الحكومات المتعاقبة كانت مشغولة بمشاكل وظروف صعبة منها هجوم داعش والتظاهرات ضد السلطة في 2019 والأزمة الاقتصادية، ما أبعدها عن التحرك ضد الأخطاء التي يمارسها الإقليم.
وبين الأخطاء، على حد قوله، الاتفاقيات النفطية التي عقدها الإقليم وتصديره للنفط ونظامه المالي والكثير من القرارات غير القانونية.
من جهته، رأى الباحث ومدير مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري أن هناك إرادة لدى بعض الأطراف السياسية الشيعية لتقويض الكيان الدستوري لإقليم كردستان، فضلاً عن حالة من الثأر السياسي.
مقابلة خاصة للعربية مع نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق
كما أوضح أن القضايا التي رفعت ضد الإقليم ذات طابع سياسي، لكن القرارات القضائية منها التي صدرت ضده كانت دستورية.
وتابع أن تعدّد الشكاوى يقوّض الثقل السياسي في إقليم كردستان وبالتحديد ثقل الحزب الديموقراطي الكردستاني.
ولطالما رسمت المنافسة بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي تجمعه علاقة أكثر ودية مع بغداد، معالم السياسة في الإقليم.
أتى ذلك بعدما ألزمت في شباط/ فبراير الماضي، المحكمة الاتحادية العليا، أعلى هيئة قضائية في العراق، بغداد بدفع رواتب الموظفين الحكوميين في الإقليم بشكل مباشر بدلاً من المرور عبر السلطات المحلية التي طالما تأخرت في صرفها.
وفي اليوم ذاته، أصدرت قراراً بتخفيض عدد مقاعد برلمان كردستان من 111 إلى 100 لتحذف بذلك فعلياً المقاعد المخصصة للأقليات.
خلافات بغداد وأربيل تساهم في إطالة أمد توقف تصدير النفط ما دفع نواباً من الاتحاد الوطني الكردستاني ومحامين في السليمانية، معقل الحزب ذاته، لتقديم شكوى أمام المحكمة.
كذلك دفعت هذه القرارات بالحزب الديموقراطي الكردستاني إلى إعلان مقاطعة الانتخابات التشريعية المحلية المزمع عقدها في 10 حزيران/ يونيو، في خطوة تثير الخشية من تأجيل التصويت مرة جديدة بعدما كان يفترض عقد الانتخابات في 2022.
كما زادت القرارات القضائية من حدّة توتر قائم أساساً بين أربيل وبغداد على خلفية تصدير النفط من الإقليم، ففي حين كانت لإقليم كردستان مصادر تمويل مستقلة عن بغداد لسنوات متأتية من صادراته النفطية عبر تركيا، والتي كان يقوم بها دون موافقة الحكومة المركزية، توقّفت منذ آذار/ مارس 2023، تلك الصادرات جراء قرار لهيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بهذا الشأن.
ووافقت أربيل لاحقاً على أن تمرّ مبيعات نفط الإقليم عبر بغداد، مقابل الحصول على نسبة من الموازنة الاتحادية، لكن الاتفاق لم ينفذ بعد.
وخلال لقاء جمعه بنواب عن الاتحاد الوطني الكردستاني، شدّد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الشهر الماضي على ضرورة المباشرة بتمويل الإقليم وفق قرار المحكمة الاتحادية.
كما تمّ التأكيد خلال اللقاء على “مواصلة الحوارات” بين بغداد وأربيل “إزاء الملفات المشتركة، وأن تكون المعالجات على وفق ما نصّ عليه الدستور”.
لكن عضو مجلس النواب العراقي عن الحزب الديموقراطي الكردستاني صباح صبحي اعتبر أن ما يجري “التفاف حول بنود الدستور من جانب قوى سياسية تحاول تغيير الواقع السياسي والديموقراطي المرتكز على الفيدرالية واللامركزية الإدارية الى المركزية الإدارية والسلطوية”.
وأعرب لفرانس برس عن أسفه للخلافات التي تعصف بـ”البيت الكردي”، كون الاتحاد الوطني الكردستاني دعم قرارات المحكمة.
كذلك استنكر رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني في بيان “التشهير بالمحكمة الاتحادية”، مشدداً على أنها “محكمة مستقلة مهنية ساهمت في حماية النظام السياسي في العراق”.
ويشار إلى أن ما زاد التوتر بين الطرفين، تلميح رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني الشهر الماضي، إلى أن “هناك مخططات عديدة تهدف لتقويض كيان إقليم كردستان بشتى الوسائل”، مشدداً على أن “إنشاء كردستان لم يكن هدية أو معروفا، بل كان ثمرة كفاح طويل”.
وبرغم تحسّن الوضع بين بغداد وأربيل بعد وصول رئيس الحكومة محمّد شياع السوداني إلى السلطة في أواخر عام 2022، إلا أن العلاقةعادت لتتعقّد، إذ يبدو أن بعض الأحزاب السياسية الداعمة للحكومة الحالية بدأت بمراجعة مواقفها منها، خصوصا أن الحكومة الاتحادية الحالية مدعومة أساساً من “الإطار التنسيقي”، وهو تحالف أحزاب شيعية يتمتع بالغالبية في البرلمان العراقي.
تفاصيل اتفاق تصدير النفط بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان العراق
وبينما كانت المناطق العراقية الأخرى خلال عقود تشهد نزاعات وأزمات متتالية، قدّم إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ العام 1991، نفسه على أنه واحة للاستقرار والازدهار الاقتصادي.
لكن كل المناطق العراقية تعاني من مشاكل متشابهة مثل الفساد المستشري والانقسامات السياسية والنخب الحاكمة التي تمسك بزمام السلطة منذ عقود.