كيف جاءت اللهجات في اللغة العربية؟
لا شك أن اللغة هي نتاج إنساني عقلي جَمْعي، وعنصر أساس من ثوابت الهُوية، تنظم علاقة الفرد بمجتمعه، وتحدد الأُطر الفكرية والأبعاد الثقافية للناطقين بها، فهي وعاء الفكر وأداة الاتصال والتعبير، وهي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه وإظهار ملكاته، وعرض عقله على الناس.
واللغة في أصلها محاكاة الإنسان للطبيعة محاكاة بدائية، بما فيها من أصوات؛ مثل: خرير الماء، وحفيف الأشجار، وزقزقة العصافير، وما إلى ذلك.
واللغة العربية الفصحى -كما جاء تعريفها في معجم المعاني الجامع-: هي “لغة القرآن والأدب، وهي لغة خالصة سليمة من كل عيب، لا يخالطها لفظ عامي أو أعجمي، خلاف العامية، ويحرص الخطباء والدعاة على استخدام الفصحى في كلامهم”.
أما اللهجة كما جاء في معجم المعاني الجامع، أنها “طريقة من طرق الأداء في اللغة، فالعربية أصل يتشعب منها لهجات؛ كالشامية والمصرية، “، فاللهجة هي لغة الحياة اليومية المتداولة بين الناس الذين يجمعهم مكان جغرافي واحد وواضح المعالم والحدود.
ويذكر أن العرب قديما كانوا يعبّرون عن اللهجة بقولهم: لغة، كأن يقولوا لغة تميم، ولغة قيس، ولغة حِمْيَر وغيرها، غير أن الاختلافات لم تكن عميقة المدى وبعيدة التأثير، إذ تركزت حول اختلاف نطق حرف من الحروف -مثلا- أو استبداله بحرف آخر في الكلمات نفسها، أو زيادة حرف أو أكثر على الكلمة نفسها.
ومع تباعد الأزمان والأسفار وكثرة الفتوحات الإسلامية، وبسبب توسط بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية جغرافيا بين شرق الأرض ومغربها، مما جعلها مسلكا وموئلا للهجرة، وبسبب دخول كثير من غير العرب إلى الإسلام، واحتكاكهم بالسكان الأصليين لتعلم العربية بهدف فهم شرائع الدين وتلقين العلوم الإسلامية من تفسير وحديث وفقه وغير ذلك، وترجمتها ونقلها إلى لغات أخرى.
كل ما سبق ذكره وغيره من الأسباب جعل للغة العربية مستويات متعددة، المستوى الأدبي العالي الذي يُعنى به الكتاب والأدباء وتراه في الكتب التراثية والدواوين الشعرية، والمستوى الرسمي للغة الذي تجده اليوم في الكتب المدرسية ووثائق الدوائر الحكومية، وتسمعه في لغة الأخبار والصحافة، والمستوى الثالث هو المحكي المتداول بين الناس، وفي هذا الأخير نلحظ تنوع اللهجات وتعددها.