حدث وتحليلعسكري

الجبهة الشامية… تحت مجهر الدراسات

في دراسة أجرتها الباحثة السورية “رهف الدغلي”، ونشرها مركز “حرمون للدراسات” المتخصص بالشأن السوري، منذ أيام، بعنوان “ديناميكيات التعبئة في الفصائل المسلحة”، حيث أخذت الباحثة الجبهة الشامية الجبهة الشامية المنضوية لصفوف الفيلق الثالث، ضمن الجيش الوطني العامل في شمال حلب، كـ “نموذج” أجريت عليه الدراسة.

وركزت الدراسة على الهيكلية التنظيمية، ومعايير انتماء الأفراد إلى الفصيل، ودور الفاعل الخارجي في التأثير على كيانه، كما أوصت بعدد من التوصيات في نهاية الدراسة.

وأشادت الباحثة بتعاون قيادة الجبهة الشامية وعناصرها، وصبرهم وتفريغ وقتهم للمساعدة بهذه الدراسة، حيث قالت: “لقد تم اللقاء مع العديد من قادة وممثلين سياسيين ومقاتلين ضمن الجبهة، أن المقابلات التي تم إجراؤها تجاوزت مدتها 63 ساعة”.

واستهلت الباحثة حديثها عن السمات الأساسية التي حملتها الجبهة الشامية منذ تأسيسها، وركزت على تاريخها الحافل بالقرارات الجريئة التي اتخذت لصالح الساحة السورية.

بدايةً من ذوبان خمسة فصائل بالكامل منذ تشكيلها، الذي أكد صدق قيادتها على توحيد الساحة، مرورًا بتسليمها معبر باب السلامة للحكومة السورية المؤقتة عام 2017، وصولًا إلى دورها الفاعل في تطويع مقدراتها للجيش الوطني بعد انضمامها له، ضمن مرتبات الفيلق الثالث.

وكان من تلك السمات الأساسية التي حملتها الجبهة الشامية هي الحفاظ على قيم ومبادئ الثورة، بعيدًا عن الغلو والتطرف، ودون الانحلال والتفلت.

كما أشارت إلى أن الوسطية هي “سمةٌ عامة” ميزت الشامية عن غيرها من الفصائل، حيث رفضت تطويع الخطاب الديني الإسلامي لصالحها، واستعماله كمورد جذب للمقاتلين بغية السيطرة على الساحة.

كما أشارت إلى التنوع البنيوي الذي اتسمت به الجبهة، حيث ضمت عناصر من كافة مكونات لشعب السوري، ومن جميع القوميات العربية والكردية والتركمانية، بالإضافة لخلوها من العنصر الأجنبي ضمن صفوفها.

وتطرقت إلى مشاركتها في محاربة الكيانات الدخيلة التي أرادت أن تعصف بثورة الشام كـ (داعش، وتنظيم القاعدة، والميليشيات الانفصالية الكردية)، ووقوفها بوجههم وعدم منحهم الفرصة لصبغ الثورة بالسواد والتطرف والانفصال.

وركزت الدراسة على الدور الفاعل الذي مارسته الشامية المتمثل بـ “الحوكمة” في مناطق سيطرتها، وعدم توانيها عن تقديم الخدمات لكافة القطاعات المدنية كـ (المجالس المحلية ـ والهيئة القضائية ـ والمنظمات المدنية)، بغية ضمان التماسك الاجتماعي الداخلي، مضيفةً انها ساهمت في بناء الجامعات التعليمية والخ..

وفي الحديث عن “انتماء الأفراد” إلى فصيل الشامية دون غيرها من باقي الفصائل العاملة على الساحة السورية، أجرت الباحثة مقابلات مطولة مع عددٍ من عناصر الجبهة لسؤالهم عن الدافع الرئيسي للانضمام والاستمرار.

وكانت الردود: أن العناصر رأوا اتساق القيم التي تتخذها الشامية مع رؤيتهم الثورية، ومجانبتها لقيم ومبادئ الثورة.

كذلك أن الجبهة تعمدت الابتعاد عن المناطقية، وعملت على مشروع جامع لكل السوريين خصوصًا أنها ضمت عددًا من “الإثنيات العرقية” كما ذكرنا آنفا، كما أعطى التماسك الداخلي أثرًا كبيرًا على نفسية وشعور المقاتلين فيها، رغم كل ما جرى على الساحة من اقتتالات داخلية أدت لتفكيك بعض الفصائل.

كما كان لعامل التحفيز الذي انتهجته القيادة بتحفيز المقاتلين على إكمال تحصيلهم العلمي، من خلال مساندتهم بمنح ومكافآت خاصة، تتناسب مع كل مرحلة من مراحل الدراسة، من أثر كبير على نفسية المقاتل.

وفي هذا السياق أكدت الباحثة أن الجبهة الشامية تمتلك 1400 مقاتل جامعي، وأنها تقدم ما يقارب 800 منحة (جزئية ـ أو كاملة) لمقاتليها، مشيرةً إلى أن نسبة الأمية لا تتجاوز 10% من عدد المقاتلين، في حين تتجاوز الـ 40% ممن يحملون شهادة التعليم الأساسي، و32% من حملة الشهادة الثانوية (بكالوريا)، بالإضافة إلى 18% من عناصرها من خريجي الجامعات، ما يعكس دورهم الفاعل في الأوساط الاجتماعية، ورؤيتهم لمستقبل الأوضاع.

وأوضحت الباحثة أن الدراسة نسفت ما يسمى بدافع “الجشع المادي”، والذي يعتبره الكثير من الباحثين سببًا رئيسيًا لجذب المقاتلين، حين سلطت الضوء على منحة المقاتل التي لا تتجاوز 500ـــ1000 ليرة تركية، والتي توزع من 50ــــ70 يوم، والتي لا تكفي لمصروف أسبوع واحد للمقاتل وعائلته.

وسلطت الضوء على ثقة المقاتلين باختيار من يمثلهم داخليًا، حيث أكدت المقابلات أن فئة كبيرة من المقاتلين لا تبدي أي اهتمام بالقائد بقدر ما توليه من اهتمامٍ من توافق مجلس الشورى على تعيينه.

وأكد آخرون أن عدم امتلاك الشامية لأي فكرٍ أو رغبةٍ بإزالة أي فصيل أو محوه (البغي)، وكذلك حفظها لكرامة مقاتليها بعدم زجهم كمرتزقة في ليبيا وأذربيجان، كان له دورٌ كبيرٌ في منح العناصر الثقة الكاملة لقيادة الجبهة الشامية في قراراتها المستقبلية.

وعن دور الفاعل الخارجي في التأثير على مصير الجبهة الشامية أكدت الدراسة أن الشامية لعبت دورًا كبيرًا في مساندة الجانب التركي الذي يعتر الفاعل الخارجي الأكبر في الساحة السورية، ولكن دون تميع وانحلال.

وأوصت الدراسة أنه يجب النظر لهذه الجماعة على أنها “عامل استقرار” في المنطقة، ويمكن الاعتماد عليها كجزء من الحل، واعتبارها لبنة أساسيةً في بناء سوريا الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى