مقالات الرأي

سورية بين فخاخ التطبيع وصمود المبادئ

فراس السقال

هل تطبّع سورية مع إسرائيل؟

تتوالى التسريبات والتكهنات في الإعلام عن قُرب عقد صفقة تطبيع بين الجمهورية العربية السورية والكيان الصهيوني، برعاية أمريكيّة مباشرة يقودها الرئيس دونالد ترامب، وبمباركة إماراتيّة يقودها محمد بن زايد، وتواطؤٍ خفيّ من أطرافٍ عدّة. لكن هذه الأخبار، رغم كثافتها وضجيجها، تبقى في نظر الشعب السوري مجرّد سراب إعلامي، لا يصمد أمام حقائق الواقع والمبادئ التي تأسست عليها الثورة السورية المباركة.

من المستبعد والمرفوض أيّ احتمال أن تطبّع سورية الثورة والتضحيات والدماء والكرامة مع إسرائيل، الكيان الذي لم يتوقّف يوماً عن قتل أبناء شعبنا في فلسطين وسورية، والذي لم يعترف يوماً بحقوق العرب والمسلمين في أرضهم ومقدساتهم.

إنّ الحديث اليوم عن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، لا ينفكّ عن التلميح إلى احتمالات كهذه، ونحن هنا نقولها بملء الفم: من يعرف هذا الرجل، يعرف جيداً أنّ هذا ضرب من المستحيل. فأحمد الشرع، المجاهد الوطني، ابن الثورة وأحد رموزها، رجلٌ من معدنٍ مختلف (ولا نزكي على الله أحداً) لم يعرف التلوّن، ولا خضع لمغريات السلطة، ولا باع ضميره في سوق المساومات الدوليّة. فكيف لمن كان هذا حاله أن يفرّط في كرامة الأمة؟ أو يوقّع على ما يعدّه السوريون، والعرب جميعاً، خيانة كبرى؟

ثمّ إنّ أحمد الشرع رجل سياسي بارع، يملك عدة السياسة من الذكاء والحكمة، يصعب أن يُخدع أو يُستدرج في ألاعيب دُهاة السياسة الدولية. محمد بن زايد قد يكون ماكراً، وترامب قد يكون جريئاً ومتهوراً، ونتنياهو قد يكون متمرساً في الكواليس، لكنهم جميعاً لن يتمكنوا من جرّ الشرع إلى صفقة تطبيع مخزية. بل على العكس، نثق بأنّه سيلعب لعبة سياسية ماهرة، لصالح شعبه وأمته، ينسحب من الفخ دون أن يسقط فيه، ويكسب الوقت والمجال دون أن يخسر الثوابت.

نعم، لا أحد يُنكر أن أوضاع سورية اليوم كارثية، فالمجرم بشار الأسد ترك البلاد مدمّرة، شبه خالية من الموارد، ينهشها الفقر والخراب والفساد والعقوبات. ووعود الإعمار والازدهار الاقتصادي ورفع العقوبات وتوفير الاستثمارات قد تبدو مغرية للوهلة الأولى، لكنّها لن تساوي شيئاً أمام ثوابت الشرف والكرامة والعقيدة، فلن تبيع سورية قضيتها مقابل حفنة من الدولارات، ولن تفرّط بمقدسات الأمّة تحت أي ظرف.

والمتوقع أن يقبل أحمد السرع، في إطار توازن القوى الدوليّة، بعدم خرق اتفاقيّة فك الاشتباك عام 1974، وقد يتعهد بعدم فتح جبهة جديدة في الجنوب، مع التمسك بإخراج إسرائيل من المناطق التي احتلتها حديثاً بعد تحرير سورية في القنيطرة، لكنّه لن يُوقّع اتفاق تطبيع، ولن يسمح بخيانة دماء الشهداء.

إنّ الشعب السوري، الذي نزل إلى الشوارع مطالباً بالحرية والكرامة، قد يرضى بالجوع وباالفقر والحرمان، لكنّه لا يرضى بالذل، وقد يصبر على غياب الكهرباء والدواء، لكنّه لن يصبر على خيانة أبناء أمته، شعبٌ كهذا لن يقبل أبداً بالتطبيع، ولن يُفرّط بأرضه، ولن يرضى أن تُغرس خناجر الصهاينة في خاصرته تحت أي اسمٍ أو غطاء.

وأكثر من ذلك، فإن هذا الشعب يثق برئيسه الجديد، يثق بدينه وعقيدته ووطنيته وبتاريخه المشرّف، يثق أنّه لن يبيع دماء الشهداء، ولن يخون العهد، ولن يخذل أبناء أمّته، يثق أنّه يعرفُ مكائد إيران والإمارات وإسرائيل، تلك الدول التي أصبحت رموز الشر في منطقتنا، والتي تحاول العبث بمصائر الشعوب وتمزيق الأوطان وبثّ الفتن.

إنّ من يراهت على تغير موقف سورية تجاه العدو الصهيوني: فرهانه خاسر، فهذه البلاد، التي روّت ترابها دماء الأبطال، لا تبيع تاريخها، وسورية الثورة ستبقى عصيّة على التطبيع، وعلى الخضوع، وعلى الانكسار.

08/07/2025م

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى