ماجدة الأحمد تكتب: خطر إيقاف المساعدات الإنسانية في ظل خطر “الفيتو” الروسي

الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية أعطت الحق لنفسها في ضبط موازيين القوى السياسية والعسكرية حول العالم بعد نهاية الحرب التي راح ضحيتها الملايين، هذه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي هي نفسها المتحكمة الرئيسية في القرار الدولي بما يخص العمل الإنساني في أوقات الحروب أوالنزاعات ومساندة الشعوب المستضعفة أوالتي تتطلب مساعدة عاجلة، ولكن مصلحة بعض الدول العظمى قد تقف عائقًا أمام ذلك التدخل الإنساني لأسباب سياسية، حيث يحق لأي دولة منهم منع أو تعطيل أي قرار دولي من خلال حق النقض “الفيتو” إن كان لا يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية.
وقد يخضع القرار الإنساني للإبتزاز السياسي داخل مجلس الأمن لتمرير قضايا أخرى كما يحدث منذ عدة أعوام في الحالة السورية، و تجديد قرار مجلس الأمن لإدخال المساعدات الانسانية كل ستة أشهر عبر معبر باب الهوى.
النظام العالمي الذي أسسته الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن قوض من نزاهة الأمم المتحدة ووكالاتها وجعلها سيفاً على دول العالم الثالث التي صنفها بهذه الطريقة المستفزة النظام العالمي ما بعد الحرب، وبذلك يكون سلاح الفيتو سيف قاتل في وجه تطلعات الشعوب في العيش الآمن والاستقرار المعيشي، ولذلك بعض المنظمات الدولية دعت دول مجلس الأمن إلى التخلي عن استخدام حق النقض في الحالات الإنسانية أوفي الحالات المتعلقة بارتكاب الجرائم والمذابح الجماعية في جميع بقاع العالم ولكن دون مستجيب!
في العام 2016 وعشية الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيس منظمة الامم المتحدة وقعت أكثر من مئة دولة مدونة “قواعد السلوك” والتي تطالب فيها بإصلاح نظام مجلس الأمن ومنع الأعضاء الدائمين من استخدام حق “الفيتو” ضد الأعمال المتعلقة بالمجازر والإبادات الجماعية وإيصال المساعدات الانسانية بالإضافة إلى أصوات أخرى دعت إلى إلغائه بشكل نهائي إلا أن الأمر لم يتغير بسبب عدم رغبة الدول الكبرى المتحكمة في القرار الدولي من إضعاف نفوذها.
روسيا اليوم تعمل على ابتزاز السوريين في موضوع إدخال المساعدات الانسانية وتعمل على تسييس القرار وتقييد وصول المساعدات إلى السوريين بحجة انتهاك السيادة السورية ومحاولاتهم المستمرة إلى إعادة تأهيل نظام الأسد من جديد، لتصل المساعدات الانسانية عبر معبر واحد فقط بعد قرار إلغائه ثلاث معابر ويتم التجديد كل ستة أشهر، وقد ربطت روسيا مصالحها السياسية للموافقة على ادخال المساعدات الى أكثر من 4.1 مليون سوري مقيم في شمال غرب سوريا.
الشعب السوري اليوم وضعه يوصف بالكارثي ويتطلب تدخل دول كبرى واستراتيجيات لإنقاذهم من الموت و للنهوض بهم بعد أحد عشر عاماً من تعرضهم للظلم وإعادتهم إلى سكة الإنتاج كما كانو من قبل، والعمل على إيجاد الأدوات اللازمة والمقومات الصناعية والزراعية والتجارية والعمل على إنشاء مشاريع التعافي الاقتصادي المبكر للنهوض بالمجتمع من جديد، ما يعانيه السوريون اليوم في ظل الكابوس الروسي كل ستة أشهر يقف عائقاً حقيقياً أمام تقدم المجتمع وتجاوز العقبات القديمة وسيساهم تدخلهم السلبي في الشان السوري على تدمير حياة السوريين بشكل كامل الذين ينتظرون هذه المساعدات الشهرية التي تقدمها المنظمات الدولية لإعالة أنفسهم.
أيام قليلة وندخل في أقسى أيام الشتاء، إذ يعيش حوالي المليونين سوري في الخيام وهم بأمس الحاجة للاستجابة السريعة والطارئة من قبل المنظمات الدولية العاملة في شمال سورية وذلك لتأمين المواد الغذائية والطبية ولوازم التدفئة اليومية وفي ظل الحديث عن فيتو روسي قادم في جلسة مجلس الأمن الدولي لتعطيل إدخال المساعدات الانسانية فإن شبح الشتاء القارس سيزداد سوءاً خصوصاً أنه يتزامن في منتصف فصل الشتاء والمنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني لن تسطيع وحدها تحمل هذا العبء والعمل علىتقديم الخدمة الإنسانية لملايين السوريين في الشمال السوري.
نحن اليوم كسوريون وكشعب منتج وفاعل بحاجة إلى خطوات ملموسة على الصعيد الاقتصادي وبحاجة إلى استمرار إدخال المساعدات الانسانية عبر الأمم المتحدة دون الحاجة لقرار من مجلس الأمن الدولي حتى نستطيع ان نصل إلى مرحلة التعافي المبكر.
الأمم المتحدة وحسب القانون الدولي قادرة اليوم على الأخذ بزمام المبادرة والعمل بشكل جذري على حل المشكلة والاستمرار بتقديم الخدمة الإنسانية عبر المنظمات الدولية والسورية للسوريين دون إنقطاع ودون الحاجة إلى العيش بكابوس التجديد كل عدة أشهر والتخلص بشكل نهائي من الإبتزاز الروسي على طاولة مجلس الأمن، الشعب السوري وبعد كل هذه المعاناة يستحق حياةً افضل بعيداً عن أي انتهاكات منظمة على مرأى من دول العالم المتحضر.
ماجدة الأحمد
ميسرة القسم النفسي في المنتدى السوري.
الأفكار الواردة في المقال لاتعبر بالضرورة عن رأي “داماس بوست”