أحمد زهير الضللي يكتب في داماس بوست: التعليم في سوريا بين نيران الحرب وتحديات الواقع
يُقال إن التعليم هو الأمل الحقيقي لأي مجتمع يرغب في النهوض والتقدم، ولكن ماذا يحدث عندما تدخل الحروب والأزمات الإنسانية في حياة المجتمعات وطغت على كل جوانبها؟ سوريا هي دولةٌ عربية تمر بحرب دامية منذ أكثر من عقدٍ، وقد تسببت هذه الحرب بأثرٍ سلبيٍ كبيرٍ على التعليم فيها.
تأثر التعليم في سوريا بشكل كبير جراء الحرب التي بدأت عام 2011، وأدت هذه الحرب إلى تدمير العديد من المدارس والجامعات، وتشريد الكثير من الطلاب والمعلمين. وما زاد الأمر سوء هو غياب أي إحصائيات دقيقة أو ارقام ثابتة عن الوضع التعليمي في الداخل السوري ، فمعظم هذه الإحصائيات قديمة و غير دقيقة ولا تغطي جميع المناطق خصوصاً مع حالة الأنقسام الجغرافي الذي تعيشه البلد نتيجة توزع السيطرة بين المعارضة و النظام .
و بحسب التقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” فأن ما يزيد عن 2.4 مليون طفل سوري غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 في المئة تقريباً من الفتيات و ذلك بحسب بيان أصدرته الصادر 24 كانون الثاني 2021 ، بمناسبة اليوم الدولي للتعليم .
أما عن أعداد الطلبة المتسربين في مناطق سيطرة النظام و بحسب تصريحات رئيس دائرة التعليم الأساسي في وزارة التربية التابعة لحكومة النظام السوري، رامي ضللي، أن نسب التسرب المدرسي في بعض المحافظات يصل إلى 12 في المئة من مجمل الطلاب، في حين أنه بمحافظة أخرى قد لا تتجاوز النسبة الـ 8 في المئة. (syria tv، 2022)
أما في مناطقة المعارضة السورية فالوضع أكثر سوء مما هو عليه من مناطق النظام فبحسب الإحصائيات أيضاً فأنه لا يقل عن 58% من الطلاب متسربون عن التعليم أي أكثر من النصف و ذلك بحسب إحصائيات العام 2022 . (نصر الله، 05/ مايو 2022)
وما زاد هذا الوضع سوء هو كارثة الزلزال التي شهدتها المنطقة و التي تأثرت بها بشكل مباشر سوريا عامة و المناطق الشمالية خاصة و الخاضعة للمعارضة السورية حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى نزوح ما يزيد عن 500 ألف شخص من منازلهم بسبب الزلزال (يونسيف unicef، 2023)
لحظة الصفر وطلقة بداية للسباق
عراقة الصناعة الألمانية و قوة الجواز السنغافوري و تقدم التقنية الكورية إلى الديمقراطية و تداول الحكم في دول آخرى أو نزاهة العدل في الدول الغربية و غيرها الكثير من التقارير والأخبار التي تملئ و تتصدر الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي والرابط بين جميع هذه الأشياء هو رابط واحد ألا وهو التعليم.
إن جوهر النهضة لأي أمة يكمن في قدرتها على أيصال المعرفة و العلم إلى أبنائها ليكون أداة فعالة في بناء هذه الأمة، و زيادة المعرفة و العلم للفرد تساهم في زيادة وعيه الاقتصادي والاجتماعي و السياسي، بحيث يصبح الفرد أداة فاعلة وواعية في توجيه دفة بلاده نحو التقدم و بالعلم لا غيره تصبح الدولة محمية من خطر الطغيان و الفساد و الدكتاتورية. (جاسم حسن، 2018)
إن الأمثلة التي تذكر الأمم التي نهضت بفضل العلم كثيرة على مدار رحلة البشرية ، و لعل ابرز و احدث تلك الأمثلة في زمننا الحالي هي سنغافورة كونها المثال الأكثر أهميا في هذا الوقت لما تحمله في طياتها من أبعاد دينية وسياسية و عرقية و جغرافية ، فبالرغم من كل التعارضات والظروف الصعبة التي وقفت في وجه سنغافورة إلى أن الإرادة السياسة في التغيير كان لها دور جوهري ذلك . وهذه نقطة فارقة إذا ما قارناها بالوضع الذي تعيشه المنطقة و سوريا على الأخص ، فمنذ استلام حافظ الأسد للحكم سعى إلى تغيير مناهج التعليم بما يخدم مصالحه و مصالح حزبه ، ورغم عدم تمكنه من إجراء تغيير شامل في مجال التعليم أو في بنية المجتمع لطبيعة ووضع سوريا الجيوسياسي و الاجتماعي في المنطقة مقارنة ببلدان آخرى ككوريا الشمالية و التي تعتبر رأس الدكتاتوريات القائمة في هذا القرن و التي وصل مستوى التغيير بأن تجاوز التعليم إلى أن وصل لحياة الفرد الذي اصبح عبدا لدى السلطة الحاكمة ليصبح التعليم بهذا وسيلة لتحقيق ذلك وأداة للتحكم بسلوك المواطنين وحياتهم فيغدو الزعيم أله يعبد وحب الحزب الحاكم ديناً . (ويكيبيديا، 2022) (وكيبيديا، 2021)
يمكن القول إن التعلم له دور هام في بناء الديمقراطية، فالأفراد الذين يملكون القدرة على تعلم المهارات والمعارف المتعلقة بالسياسة والحكم وحقوق الإنسان وغيرها من المجالات المرتبطة بالديمقراطية، يمكنهم أن يساهموا بشكل فعال في تعزيزها وتطويرها.
علاوة على ذلك، فإن التعلم يمكن أن يساعد الأفراد في تحليل وتقييم المعلومات المتعلقة بالشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبالتالي يمكنهم اتخاذ القرارات الصحيحة والمسؤولة والمناسبة لتحقيق مصلحة المجتمع والدفاع عن حقوقهم، أيضاً يمكن أن يلعب التعلم دورًا مهمًا في بناء ثقافة المشاركة المجتمعية والديمقراطية، حيث يمكن للأفراد الذين يمتلكون المعارف والمهارات المطلوبة أن يشاركوا بنشاط في العمليات الديمقراطية ويساهموا في بناء المجتمعات المدنية وتعزيزها و بالتالي فإن الأفراد الذين يتقنون مهارات التعلم والتفكير النقدي والتقييم الذاتي هم من يمكنهم أن يساعدوا في بناء الديمقراطية وتطويرها. (فاعور، 2011)
بدء بناء وأول لبنة
إن سباق الألف ميل يبدأ بخطوة وتحسين التعليم في الدول المتضررة من الحرب يتطلب تكاثف الجهود من الحكومات المحلية والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي كالأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة لتوفير التقنيات والموارد اللازمة لتعزيز النظام التعليمي. وعلى العكس الجهود الرامية إلى إعادة الأعمار بعد انتهاء الحرب فأن التعليم لا يجب أن يتوقف دعمه بغض النظر الحالة التي يعيشها البلد وهذا يتطلب إعادة ترميم المدارس والمرافق التعليمة التي تأثرت وتضررت نتيجة الحرب أو الزلازل، كما أن تدريب وتأهيل المعلمين والكوادر العاملة في قطاع التعليم لا يقل أهمية عن جهود الترميم والبناء فيجب توفير المعلمين المؤهلين والذين يتمتعون بالخبرات والمعرفة الكافية لتدريس المواد الأساسية، مثل الرياضيات والعلوم واللغات والتاريخ. (يونسيف unicef، 2023)
ومن المشاكل الأساسية التي تواجه المدارس السورية في الوقت الراهن أيضاً هي القلة في التقدم التكنولوجي والعملية التعليمية المحدودة. ومن أجل تحسين جودة التعليم، يجب أن يتم إصلاح وتوفير إمكانات تكنولوجية والاستثمار في السلع التعليمية والحلول التعليمية التي تقدم للمدارس والجامعات. بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز التواصل والتفاعل بين المدرسين والطلاب وتوفير المناخ المناسب للتعلم والنمو، وتقديم دورات تدريبية ودعم تقنية لمعلمي المدارس والثانويات، وذلك لضمان أن يكونوا على دراية بأحدث التطورات التقنية والتعليمية.
كما لا يجب إغفال طباعة المناهج الدراسية و تطويرها بما يتماشى من ثقافة البلد و دينه وتاريخه من خلال زرع الأفكار والقيم البناءة التي تحظ الفرد على الحرية وبناء المجتمع أو القيم الديمقراطية والتعددية و غيرها من المبادئ و الأخلاق التي تساهم في تطوير هذا المجتمع و نهضته.
كم يجب، تشجيع الدعم المالي الدولي والمحلي لتطوير التعليم في الدول المتضررة من الحرب، وذلك من خلال توفير الأموال اللازمة لبناء المدارس وتمويل البرامج التعليمية المحلية من خلال إطلاق حملات تبرعيه أو طلب الدعم المباشر لذلك وتعزيز الابتكار والإبداع في مجال التعليم وتوفير الدعم اللازم لمشاريع الابتكار والتقنية المبتكرة. (Barakat، 2015)
في النهاية، يجب الاعتراف بأن الحرب السورية قد تركت آثارًا سيئة على التعليم في البلاد. كما ان تشبث الدكتاتورية بالحكم أضر بالمناهج الدراسية.
ومع ذلك، يمكن للحكومة والمجتمع الدولي العمل معًا لتقديم الدعم للمدارس والجامعات في سوريا والمساعدة في توفير فرص التعليم لجميع الطلاب. الوضع الحالي سيزداد سوءً إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية لمعالجة هذا الوضع.
ما زال الدرب طويل أما شعبنا لكن التاريخ دائماً ما يثبت نجاح امتنا ونهضتها بسواعد أبنائها ونحن في انظار مستقبل مشرق ينتظر الأجيال القادمة وأي خطوة نهضة تبدأ بطفل يتعلم في مدرسة أو خيمة و تنتهي بتغيير التاريخ.
بقلم: أحمد زهير الضللي
برنامج واثقون من قدرتنا على التغيير