مقالات الرأي

من خارج الصندوق… التداعيات الجيوبوليتيكية والديموغرافية… لزلزال العصر

مقال رأي


تعودت أن أفكر خارج الصندوق، وفي هذا المشهد العظيم كانت هذه القراءة بعقل بارد وقلب حامٍ.

إقليم هاتاي وعاصمته أنطاكيا، التي يلقبها المسيحيون بمدينة الله العظمى، وهي مركز الكرسي الرسولي لبطرس وبولس قبل أن ينتقل هذا المركز إلى دمشق والذي مازال يسمى ( بطريركية أنطاكيا وسائر المشرق) وهذا الإقليم يعتبر العمق الحقيقي للطائفة العلوية النصيرية التي تتحكم بمفاصل الحكم في سوريا. وقد ظلت هذه المدينة عاصمة سوريا لقرون طويلة ومفتاح سوريا لأي إمبراطوريه صاعدة(الإغريق -الرومان -الصليبيون -السلاجقة -العرب المسلمون) وهذا الإقليم لايقع فقط على خطوط صدع تكتونية، وإنما سياسية ودينية ومذهبية.

المشروع الجيوسياسي الذي يعمل عليه في شمال سوريا والذي يقوده العلويون الأكراد المتخفون بالمشروع القومي الكردي تماما كأقرانهم العلويون العرب الذين تغطوا بالمشروع العربي القومي لإحكام السيطره على سوريا، كانوا يحاولون الوصول إلى حدود هذا الإقليم، وذلك في محاولة للتلاقي مع الجناح الآخر للمشروع؛ بهدف إنشاء دولة تمزق سوريا وتركيا في ظاهرها كردي قومي ويتحكم بمفاصلها مشروع أقلوي طائفي.

هذا الزلزال وجّه ضربة قوية للجناح الغربي لهذا المشروع، فإقليم هاتاي وخصوصا مدينة أنطاكيا قد أصبحت خارج الجغرافيا وربما التاريخ وعملية إنزياح وتفريغ ديموغرافي مهولة حدثت على طول خط الزلزال هذا، فمدينة كهرمان مرعش وقراها وملاطيا وأدميان وديار بكر مراكز مهمة أيضًا للعلويين الأكراد.

هذا الزلزال سيدفع الكثير من القوى الدولية والإقليمي لإعادة النظر بالرهانات الجيوبوليتيكية البائسة التي تسببت في هذا المشهد الدامي الكبير على مستوى بلاد الشام ككل، وهذا الزلزال ربما سيمهد لإنفراجة كبرى على الشعب السوري، ورغم أنّ ظاهره العذاب لكنه يبطن الرحمة.

الرحمة لجميع الضحايا من البسطاء من المسلمين والمسيحيين والعلويين فملك ملوك الجيوبوليتيك (الله) عندما يتدخل يصبح هؤلاء خسائر جانبية collateral causalities، ولايمكننا الإحاطة بعلمه وحكمته.

 

الطبيب مصطفى الكيالي

الأفكار الواردة في المقال لاتعبّر بالضرورة عن رأي “داماس بوست”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى