“هل تسلّم روسيا بشار الأسد؟ بين المصالح والهيبة والسيناريوهات المحتملة”

بقلم: أ. بلال محمد الشيخ _ سياسي سوري
15/أكتوبر/ 2025 م
منذ سقوط نظام بشار الأسد وفراره إلى موسكو أواخر عام 2024، لم يغب سؤال مصيره عن الساحة السورية والإقليمية، إذ تقدمت الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع بطلب رسمي لتسليمه، وهو طلب يضع روسيا أمام معادلة معقدة تتداخل فيها المصالح الاستراتيجية مع حسابات الهيبة والصورة الدولية والضغوط المحتملة من القوى الكبرى.
فالعلاقة بين موسكو ودمشق ليست وليدة اللحظة، بل هي تحالف ممتد منذ ستينيات القرن الماضي حين كان الاتحاد السوفييتي الداعم الأول للنظام السوري، وقد تعزز هذا التحالف مع اندلاع الثورة السورية عام 2011م حين تحولت روسيا إلى الحامي السياسي والعسكري للأسد، مستخدمة الفيتو في مجلس الأمن مرارًا ومتدخلة عسكريًا عام 2015 لتغيير موازين القوى لصالحه، واليوم تملك موسكو قاعدتين استراتيجيتين في سوريا، حميميم الجوية وطرطوس البحرية، ما يجعل وجودها هناك حجر زاوية في سياستها الإقليمية.
لكن النقاش حول تسليم الأسد الفار لا يتوقف عند حدود المصالح المادية، فروسيا بنت عبر عقود صورة الدولة التي لا تسلّم من احتمى بها، سواء كان حليفًا أو خصمًا تحوّل إلى ورقة تفاوض، وهذه السياسة عززت ثقة حلفائها بها ورسّختها كبديل عن الغرب، وفي حالة الأسد الفار فإن المسألة أعقد لأنه ليس مجرد رئيس ساقط بل خزنة أسرار عن التنسيق الروسي الإيراني، عن العمليات العسكرية، وعن ملفات قد تمس الأمن القومي الروسي نفسه، وتسليمه قد يفتح باب فضائح لا تخصه وحده بل تمس صورة موسكو ذاتها، ولهذا فإن الاحتفاظ به قد يكون أقل كلفة من التخلي عنه.
ومع ذلك، تطرح التحليلات ثلاثة سيناريوهات محتملة:
الأول: أن ترفض روسيا تسليمه وتبقيه على أراضيها مانحة إياه حصانة أو جنسية روسية لتستخدمه كورقة تفاوض مستقبلية.
والثاني: أن توافق على تسليمه بشروط تضمن امتيازات اقتصادية أو عسكرية أو خروجه الآمن إلى دولة ثالثة.
والثالث: أن تجد نفسها مضطرة للتسليم تحت ضغط دولي متصاعد وعقوبات غربية متشددة، وهنا سيكون موقف الولايات المتحدة وأوروبا حاسمًا.
في المحصلة، يبدو أن موسكو لن تسلّم الأسد الفار بسهولة، ليس لأنه لا يُستغنى عنه، بل لأن كلفة التخلي عنه قد تكون أثقل من كلفة الاحتفاظ به، فالتسليم يعني ضرب صورة روسيا كحليف وفيّ وكشف أسرارها الاستراتيجية، بينما الاحتفاظ به يمنحها ورقة تفاوضية يمكن استخدامها في لحظة مناسبة لإعادة ترتيب التحالفات في الشرق الأوسط.
وهكذا، فإن مصير بشار الأسد الفار لم يعد مجرد ملف قانوني أو ورقة تفاوضية بين موسكو ودمشق، بل تحوّل إلى مرآة تعكس طبيعة النظام الدولي، وتكشف كيف تُدار التحالفات حين تتقاطع المصالح مع الرمزية، وحين تصبح الأسرار أثمن من العدالة. روسيا، التي بنت لنفسها صورة الحليف الذي لا يخون، تجد نفسها اليوم أمام اختبار مزدوج: هل تحافظ على تقليدها السياسي أم تعيد تعريفه وفق مقتضيات المرحلة؟
أما السوريون، فإنهم أمام لحظة فارقة لا يُقاس فيها النصر بتسليم طاغية، بل بإعادة بناء المعنى: معنى الدولة، ومعنى السيادة، ومعنى العدالة التي لا تُستورد من الخارج، بل تُصاغ من الداخل، من إرادة شعبٍ قرر أن يكتب تاريخه بيده، لا أن يُكتب عنه في غرف المساومات.
إن الأسد المخلوع، في نهاية المطاف، ليس نهاية القصة، بل بدايتها الحقيقية: بداية سؤال الدولة التي لا تُدار من خلف الستار، ولا تُبنى على أنقاض الخوف، بل على أسس الكرامة والوعي والمسؤولية.