مقالات الرأي

مشروع الجولاني يتكسر على جدران الشمال

 

من خلال استقراء الواقع وبعد سيطرته على إدلب بالكامل يضع خطته للسيطرة على الشمال السوري المحرر وهو أمرٌ لم يخفيه يوماً الجولاني ليكمل مشروعه في تشكيل دولته ((السنّة)) وحمايتها كما يدّعي، وفرض الأمر الواقع على الدول على غرار مدينة غزّة حيث يتم اقتطاع هذه الجزء من سورية كوطن بديل للسنة بدلاً من التفكير في إسقاط النظام الذي لم يعد على أولويات الجولاني.

عمل الجولاني طيلة الفترة الماضية على تدريب جنوده عسكرياً وأدلجتهم فكريّاً لاقتحام مناطق الشمال المحرر وضمّها لمشروعه في ادلب وكان يتنظر ذريعةً للدخول أو سبباً مقنعاً لجنوده ومبرّراً دافعاً له أمام الدولة التركية على الأقل التي كان يخشى ان تمنعه وتضغط عليه كما حدث في المرة السابقة …

كانت المبادرة الموحدة التي اطلقها عدد من الأكاديميين من أكبر التهديدات التي اعترضت مشروعه من خلال طرحها لتشكيلٍ عسكريٍّ قويٍّ منافسٍ وهو ما سرَّعَ من اغتنامه لفرصة التدخل باغتيال أبي غنوم وزوجته ، لقَتْلِ المبادرة الموحدة ، مع مساعدة حلفاء المصلحة له من مجموعات الفساد في الشمال ، الذين جمعتهم المظلومية كما يدّعون من الحمزات والعمشات وأحرار صوفان …

من المعروف عن الجولاني ومشروعه بأنّه ينظر بكلتا عينيه على المعابر بالدرجة الأولى، من المعابر الداخلية والخارجية، وعلى الموارد المالية، واستجرار المحروقات من مناطق قسد كنقطة ارتكاز في بسط السيطرة فمن خلال الاقتصاد يشتري الذمم وينسب الجنود ويستغل حاجة الشباب لتوظيفهم في مشروعه ويضيق الخناق على خصومه ومنافسيه.

أولاً: لماذا سقط الجولاني هذه المرة

يبدو أنّ الجولاني أخطأ التقدير هذه المرّة في طريقة الدخول لتحقيق مشروعه عن المرّة السابقة من عدّة نواحي، منها:

أ‌- غالباً ما كان يحرّض جنوده على مناطق الشمال المحرر بحجة الفساد من أجل تطهير المنطقة من الفساد والمفسدين، لكنّه دخل حليفاً مع أفسد الفصائل وأكثرها تفلُّتاً وإفساداً وإجراماً (الحمزات والعمشات وأحرار صوفان)، وهو ما جعل قسماً من جنوده يتردد في القتال ويتساءل مع نفسه أنّه أصبح أداةً لمزاج وشهوات الجولاني وليس لمشروع الدولة المزعومة …

ب‌- يبدو أن الجولاني كان يظنّ أنّ طريقه إلى الشمال سيكون محفوفاً بالرياحين والورود مع مناصريه من حلف الرذيلة، لكنّه تفاجأ بثبات الكتلة الصلبة من الفيلق الثالث والحاضنة الشعبية المخلصة، فكانت من أكبر عوامل خيبته في التقدّم وإحراز النصر السريع الذي تعود عليه

ت‌- ثبت لدى الجميع، وحتى عند جنوده، أنّ الجولاني لا يملك مشروعاً معتبراً، وإنّما يريد سلطةً يحكمها بيده ويحركها بأوامره، يعمل تحت الأوامر الخارجية ويتحرك على رنة التلفون في تنفيذ ما يريدونه منه، فيدخل عندما يأمرونه بالدخول، ويخرج عندما يأمرونه بالخروج، وهو ما بدا واضحاً للعيان أمام الجميع في الدخول الأول والثاني مع إخفاء أعداد قتلاه وجرحاه …

ث‌- قد يكون الجولاني وقع في فخ غروره هذه المرّة وظن انه سيباغت الجانب التركي بدخول خاطف تسقط امامه كل الفصائل حتى جرابلس ويضع الأتراك تحت الأمر الواقع. لكن يبدو أن الأوامر التركية كانت صارمة وواضحة بضرورة مواجهة الجولاني وإخراجه من عفرين ومنعه من دخول منطقة درع الفرات.

ثانياً: خسائر وأرباح أطراف الصراع

من المفيد أن ننظر إلى الأرباح والخسائر في هذه الجولة لتقييم المرحلة:

فالتاجر الناجح هو من يدرس الخسارة ويحوّلها إلى أرباحٍ في الجولات اللاحقة، كما يدرس الأرباح ويزيد منها فيما هو آت …

والتاجر الفاشل من لا يفكّر فيما حصل له من خسائر، ولا يسعى لزيادة أرباحه فيما هو مقبلٌ إليه …

1) الفيلق الثالث:

أ‌- نجح في ثباتِ جنوده وإثباتِ أنهم أصحابُ قضيةٍ ثوريةٍ دافعوا عنها وثبتوا لأجلها أمام خصومهم من حلف الرذيلة (العمشات، الحمزات، أحرار صوفان)، ومن ساندهم وساعدهم..

ب‌- حافظ على مناطقه المركزية ولم يفرّط بها، جنوداً وقادةً، ولم يتنازل أمام كلّ الضغوط التي مورست عليه …

ت‌- حافظ على حاضنته الشعبية في كلّ مناطق المحرر واستطاع كسب رأيهم وعواطفهم واستجلابهم لصالحه في معركته المدنية والميدانية..

ث‌- انكشف بعضٌ ممّن دخل في صفوفه وضمن ألويته، وليس منه، من خلال تململهم واختراع بعض الذرائع الواهية للانفكاك عنه …

ج‌- ومن هنا يتبيّن أن الفيلق الثالث كان رابحاً في معركته بغض النظر ممّا عليه من مستحقاتٍ تجاه منطقته وحاضنته، وأخطاء ضمن فيلقه وألويته تحتاج للإصلاح والتصويب من خلال ما يلي:

1- العمل على تصفير المشاكل مع كلِّ الفصائل العاملة في الساحة ووضع خطّةٍ جديدةٍ يتشارك فيها الجميعُ بما يضمن مصلحة الساحة وأمنها..

2- الحفاظ على الكتلة الصلبة ضمن ألوية الفيلق الثالث، وعدم التفريط بأحدٍ منها من خلال اللقاء بهم والسماع لهم وحل مشكلاتهم والنزول عند رأيهم الصائب …

3- توسيع العلاقات مع الشخصيات الفاعلة والمعتبرَة في الحاضنة الشعبية بكلّ مكوناتها ومجالاتها، واستشارتها في أمور الساحة المفصلية وإشعارها بأنها جزءٌ أصيلٌ من القرار، تتحمّل جزءاً من المسؤولية فيما تؤول إليه الساحة.

1) تحرير الشام

أ‌- ثبت أمام الجميع أنّه استخدم جنوده من أجل مصالحه الاقتصادية وليس من أجل مشروعٍ يحمي بيضةَ المسلمين كما كان يدّعي أمام جنوده وقادته

ب‌- تحالفَ مع أفسد فصيلين في المحرر معروفين بفسادهم وإجرامهم وهو ما يعني أنّ تطهير المحرر من الفساد لا يعنيه بشيء

ت‌- تحوَّل من رجلٍ عقائديٍّ صاحب مشروعٍ ليحمي (بيضة المسلمين) كما يدّعي إلى أداةٍ مطيعةٍ يعمل بأوامر الأتراك الطواغيت والكفرة حسب تصريحاته السابقة

ث‌- خسارته لمعركته العسكرية في تحقيق أهدافه مع قتل أكثر من مئتي جندي من جنوده وأضعَافهم من الجرحى والمصابين

ج‌- التململ الواضح في حاضنته الخاصة وشعورهم بأنهم ليسوا مجاهدين كما كانت نواياهم وأهدافهم، وهو ما دفع كثيراً منهم لعدم المشاركة في المعركة وكان مكانه السجن في حارم

2) حلف الرذيلة

المقصود بهم الفصائل الثلاثة (العمشات والحمزات وأحرار صوفان)، وهؤلاء أعتقد أنّهم لا يحتاجون لتعداد الخسائر، لكنّي سأذكر بعضها في نقاط:

1) يكفيهم ذلاً وخِسّةً ونذالةً أنّهم أكثر من قتل منهم الجولاني وأهانهم وأذلّهم واغتصب أموالهم ومعداتهم، وما زال يحتقرهم ويتهرّب من الجلوس معهم خشيةَ عار الصورة معهم …

2) يكفيهم خسراناً أيضاً فقدانهم لكلّ حرٍّ شريفٍ يأبى الذل والغدر والخيانة التي قاموا بها فجاؤوا على ظهر الدبابات الجولانية لقتل أهالي الشمال الأحرار وخاصة مدينة اعزاز التي كانت مقبرة الدبابات الأسدية منذ انطلاقة الثورة …

3) يكفيهم أنّهم قدّموا تكلفة المعركة مسبقاً بمبلغ ١١ مليون دولار لسيّدهم الجولاني في الوقت الذي لا يحصل عناصرهم على ما يكفي حاجة أولادهم…

4) يكفيهم أنهم فقدوا مستقبلهم الذي كانوا يفكرون أن يصلوا إليه وبدَّلوا سمعتهم من ثوار ومجاهدين الى عبيدٍ وخونةٍ ومفسدين …

5) يكفيهم ذلاً أنهم باتوا أحذيةً في رِجُلِ الجولاني ومطيةً مطواعةً له يحرّكهم وعناصرهم بما يريد ومتى يريد …

فأيُّ خسارةٍ بعد تلك الخسارة.. وأيُّ مستقبلٍ ينتظرهم؟

وليس عنهم ببعيد ما عليه أحرار صوفان، الذين يرفعون رايات الأحرار زوراً وبهتاناً، والذين أثبتوا عمالتهم بكلّ وقاحةٍ ضدّ أهليهم، فكانوا الحذاءَ الآخرَ في رِجْلِ الجولاني، يستخدمهم فيما يحقق مصالحه، ويفرّغُ لهم حقدهم على إخوان الأمس معهم …

وأظنُّ أنهم لا يستحقون الكلام الكثير، وقد يكون وصفهم بأبي رغال الشمال _المعروف تاريخياً بتدليل إبراهة الحبشي إلى الكعبة ليهدمها_ مع حلف الرذيلة خير ما يُوَصِّفُ حالهم ويدلُّ على خساستهم وخباثتهم..

بقلم : أ. عباس شريفة 


الأفكار الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي داماس بوست

عباس شريفة

باحث بالشأن السوري وكاتب في العديد من مراكز الدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى