مقالات الرأي

سوريا بين سنديانة التطبيع ومطرقة التقسيم

بقلم: عبدالله سماق

منذ سقوط النظام البائد، تعاملت إسرائيل مع الملف السوري بعين استراتيجية، فإنها تعمل على لعب دور متقدم في رسم المشهد السوري عبر التدخلات العسكرية المحدودة أو من خلال دعم مكونات معينة لضمان بقاء حالة التشرزم وتوجيه ضربات لأي بنية عسكرية تهدد أمنها القومي.

كما تبنت سياسة التدخل غير المباشر عبر دعم مشاريع التقسيم وبث الفتن والوقوف مع مجموعات خارجة عن القانون بحجة حماية الدروز، لأنّه في نظر إسرائيل فإن سوريا القوية الموحدة تشكّل خطرًا حقيقيًا عليها.

ولهذا كان التعاطي الإسرائيلي محكوماً بمنطق: إمّا تفكيك الداخل السوري والعمل على تقسيم سوريا إلى دويلات ضعيفة، أو جره إلى تطبيع شكلي يفقده هويته السياسية والقومية.

للتطبيع والتقسيم تداعيات نذكر منها:

تداعيات التطبيع:
١-تفريط بالسيادة والحقوق الوطنية:
التطبيع مع إسرائيل قد يُنظر إليه كتنازل عن الحقوق التاريخية، خصوصًا في قضية الجولان المحتل، ما يُضعف الموقف السوري القانوني والسياسي في المحافل الدولية.

٢-تفكيك الهوية الوطنية:
التطبيع يحمل مخاطرة خلق انقسامات داخل المجتمع السوري، بين مؤيد ورافض، مما يُضعف التماسك الوطني ويُغذي الانقسام الطائفي أو المناطقي.

٣-شرعنة الاحتلال الإسرائيلي:
أي خطوة تطبيعية تُعتبر، من منظور كثيرين، بمثابة اعتراف ضمني بشرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وتُضعف من مركزية القضية الفلسطينية.

٤-نفوذ اقتصادي وأمني إسرائيلي داخل سوريا:
يمكن أن يستتبع التطبيع تسلّل نفوذ إسرائيلي إلى الداخل السوري، عبر مشاريع اقتصادية أو أمنية، ما يعرض السيادة السورية للاختراق.

٥-غضب شعبي وفقدان الشرعية:
الشعب السوري يحمل تاريخًا في مقاومة العدو الصهيوني بحكم الاحتلال الصهيوني لأراضي سورية، وأي تطبيع قد يُواجه برفض واسع، ويؤثر على العلاقة بين القيادة والشعب، ويُفقد جزءًا من الشرعية الوطنية.

تداعيات التقسيم:
١-تفكك الدولة وانهيار مؤسساتها:
يؤدي التقسيم إلى انهيار مفهوم الدولة المركزية الموحدة، مما يُضعف الأجهزة السيادية مثل الجيش، القضاء، والخارجية، ويجعل كل منطقة خاضعة لنظام وسلطة مختلفة.

٢-صراعات داخلية دائمة:
التقسيم يفتح الباب لصراعات مناطقية وعرقية وطائفية، حيث تتنافس الكيانات الجديدة على الموارد والنفوذ، مما يؤدي إلى حروب أهلية طويلة الأمد.

٣-تبعية الكيانات المقسمة لقوى خارجية:
كل إقليم سيكون بحاجة لداعم خارجي سياسي واقتصادي وأمني، مما يُحوّل سوريا إلى ساحة نفوذ للدول الكبرى ويُفقد القرار الوطني استقلاليته.

٤-ضعف اقتصادي حاد:
تقسيم الموارد بين كيانات متعددة يؤدي إلى عدم توازن اقتصادي، خاصة في ظل توزع الثروات النفطية والمائية والزراعية بشكل غير عادل، ويزيد من الفقر والمعاناة.

٥-تهجير سكاني وتغير ديموغرافي:
التقسيم يعزز عمليات التهجير القسري، ويُكرّس التغيير السكاني في بعض المناطق، ما يُحدث خللًا في النسيج الاجتماعي والوطني.

٦-ضياع السيادة الوطنية:
في حالة التقسيم، تُفقد سوريا سيادتها على حدودها ومقدراتها، وتتحول إلى خارطة جغرافية مجزأة يسهل التأثير فيها وتوجيهها من الخارج.

عودةً إلى حيث بدأنا، يجب التعامل مع هذه المخططات الخارجية بالعمل على إعادة بناء الدولة الوطنية، وتعزيز سيادة القرار السياسي، والعمل على تقوية ودعم الجيش السوري ومؤسسات الدولة، وضرب أدوات الفوضى التي تستخدمها إسرائيل. كما يجب توحيد الموقف الشعبي خلف مشروع سياسي وطني جامع يرفض التطبيع والتقسيم على حد سواء.

تتطلب المرحلة وقوفًا حقيقيًا خلف القيادة الوطنية الممثلة بسيادة الرئيس أحمد الشرع، لما يحمله من مشروع وحدوي واضح ورؤية سياسية تراعي توازنات الداخل والخارج. الخروج من بين سنديانة التطبيع ومطرقة التقسيم يتطلب حنكة سياسية وصمودًا شعبيًا ودعمًا واضحًا للقيادة الوطنية، فهذه المعركة هي معركة بقاء وهوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى