الأخبارمحلي

رسائل النار في حلب: ماذا قيل بالسلاح يوم زيارة فيدان إلى دمشق؟

بقلم الصحفي: رياض الخطيب
حلب : 22 كانون الأول 2025

جاءت زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق ولقاؤه بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في لحظة سياسية شديدة الحساسية، حيث تتقاطع الملفات الإقليمية مع تعقيدات الداخل السوري، وعلى رأسها ملف قوات سوريا الديمقراطية قسد، زيارة وُصفت في الكواليس بأنها “محاولة أخيرة” لإعادة ضبط التفاهمات، لكنها ترافقت في اليوم ذاته مع اشتباكات عنيفة في مدينة حلب بين الجيش السوري وميليشيا قسد على محوري الشيخ مقصود والأشرفية، أسفرت عن قتلى وجرحى. توقيت الحدث وحده كفيل بإخراج الاشتباكات من إطارها العسكري الضيق إلى فضاء الرسائل السياسية الواضحة.

تركيا دخلت اللقاء وهي تحمل موقفًا نهائيًا لا لبس فيه: لا دمج لقسد إلا كأفراد، ولا مكان لبنيتها العسكرية أو لكتلها التنظيمية ضمن أي صيغة مستقبلية للدولة السورية، هذا الموقف ليس جديدًا، لكنه بات اليوم أكثر إلحاحًا مع إدراك أنقرة أن أي تسوية تلتف على هذا الشرط تعني عمليًا شرعنة كيان مسلح معادٍ لها على حدودها الجنوبية.
في المقابل، يقف الرئيس السوري أمام خيارات صعبة، القبول بشروط قسد في الاندماج سيعني صدامًا مباشرًا مع تركيا، الحليف الأكثر تأثيرًا في المشهد السوري الحالي، أما الإصرار على إدخال قوات رمزية إلى شرق الفرات، حتى لو لم تتجاوز ألف جندي، فيصطدم برفض قاطع من قسد، وبموقف أمريكي لا يبدو مستعدًا لمنح دمشق موطئ قدم حقيقي في تلك الجغرافيا، يبقى خيار تمديد المهلة إلى ما بعد آذار القادم، وهو خيار تأجيل لا يحمل حلًا بقدر ما يحمل مخاطر انفجار مؤجل
الاشتباكات التي شهدتها حلب لا يمكن قراءتها كمعركة حاسمة، فالمناطق التي دارت فيها المواجهات معروفة بسقفها السياسي والعسكري، وهي مناطق كانت قد سُلّمت لقسد ضمن تفاهمات سابقة، رغم أن واشنطن طلبت منها الانسحاب منها إلى شرق الفرات، رفض قسد لذلك الطلب آنذاك جعل هذه الجغرافيا ساحة رسائل أكثر منها ساحة حسم، وهو ما يتكرر اليوم.
قسد، من جهتها، أرادت القول إنها ما زالت لاعبًا قادرًا على فرض حضوره بالقوة، وأن الضغوط السياسية يمكن الرد عليها ميدانيًا، ولو بشكل محدود دمشق في المقابل، حاولت التذكير بأنها تملك ورقة القوة، وأنها قادرة على تحريك الجبهات كلما شعرت بأن المسار السياسي يُدار من فوق رأسها
أما تركيا، فكانت تراقب المشهد بقلق، وهي تدرك أن أي انزلاق غير محسوب قد يفتح الباب أمام فوضى أوسع، خاصة في ظل توتر علاقتها مع موسكو، وغضب روسي معلن من دمشق وأنقرة معًا.
الأبعد من ذلك، تشعر أنقرة أن دمشق لم تلتزم بما كان متوقعًا منها بعد الدعم التركي الواسع، سياسيًا وعسكريًا، خلال مراحل مفصلية تركيا راهنت على إنهاء ملف قسد، وعلى اتفاقيات دفاع مشترك، وعلى حضور عسكري منظم يضمن استقرار البلاد، لكنها وجدت نفسها أمام قيادة تتحجج بضغوط أمريكية وسعودية لتحجيم الدور التركي، دون تقديم بدائل واقعية.
هنا تحديدًا تتضح الرسالة الأساسية لما جرى في حلب، ما حدث لم يكن مجرد اشتباك عابر، بل إنذار سياسي بالنار، رسالة تقول إن ملف قسد لم يعد يحتمل التدوير، وإن تجاهله أو محاولة كسب الوقت فيه سيُترجم دمًا على الأرض هي رسالة موجهة لدمشق أولًا، ولواشنطن ثانيًا، مفادها أن التوازنات الهشة يمكن كسرها في أي لحظة، وأن الاستقرار المعلن لا يزال هشًا وقابلًا للاهتزاز.
في المحصلة، حملت زيارة فيدان عنوان الحوار، لكن ما كُتب في حلب كان بلغة السلاح. وبين الحوار والنار، تقف سوريا مرة أخرى أمام مفترق طرق، حيث لا مكان للحلول الرمادية، ولا قدرة للبلاد على تحمّل جولة جديدة من صراع الرسائل، يدفع ثمنها السوريون وحدهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى