مقالات الرأي

رسائل إلى الشباب السوري الثائر

 

بقلم: جلال عبد الجبار الدغيم

إلى شباب الثورة، إلى قلب سوريا النابض، وإلى روحها التي لا تُقهَر.
إلى الأحرار الذين أوقدوا شعلة الثورة بإيمانهم الذي لا يتزعزع، وعاشوا أيامها بكل ما فيها من ألمٍ يُلهِم، وأملٍ يُضيء. إلى الذين وقفوا في الصفوف الأمامية، فتحملوا ويلات القمع، وصنعوا من الهجرة والجهاد قصص كفاح، ومن العلم والعمل مشروع حياة، ومن التطوع والتضحية مَثَلًا يُحتذى في الشجاعة والصدق، في الوعي والأخلاق، وفي القيادة والإرادة.

لقد كتبتم بأرواحكم وجهادكم أعظم سطور العزّة، فلم تنعزلوا وتنهزموا عاجزين قانطين، رغم كل التحديات والصعوبات. بل كنتم رواد الميادين والساحات، من دشم الرباط التي تشهد لكم، والتي أكلت من أيامكم وأجسادكم، حتى منصات الإبداع العالمي علماً وتفوقاً. إذ حجزتم لأنفسكم مكانًا بين منافسين أشداء، برسوخ الإرادة وصلابة العزيمة. فكنتم الكلمة التي تُلهِم، والقلم الذي يُوثِّق ويسجل، والبندقية التي تُدافِع، والأمل الذي لا يعرف اليأس أو الهوان.

اليوم، وقد أثمر زرعكم الذي غرستموه بالإيمان والإقدام، وبدت ثمار جهادكم تُزهِر، حان الوقت لقطفها وحصادها بما يليق بشباب حر واعٍ، في سوريا الجديدة الحبيبة النظيفة، الخالية من القمع والاضطهاد والإقصاء. في دعم عملية التنمية والاستقرار، وتوطين الحوار بين الشعب الذي لم يهنئ بعيشٍ ورخاءٍ بتاريخه المليء بالصراعات والحروب والنزاعات. فالطريق ما زال طويلًا، والثمرة تحتاج إلى عنايةٍ فائقة وهمةٍ لا تعرف الكلل.

ولا شك بأن كل خطوة تتطلب تأهبًا وجاهزيةً تامةً مدروسةً ومتقنةً. فلتكن الخطوة الأولى هي التحلي بمسؤولية عالية، ووعيٍ عميق، وإصرارٍ لا يلين، فهي دعائم مركزية في أي مشروع. على أن لا تهملوا الفرص فتفوتكم، ولا تنشغلوا بالتفاصيل التي تُعيق المسير البناء. ابتغوا الأسباب، وامضوا قدمًا نحو ما تمليه عليكم قيمكم وواجباتكم الأخلاقية والدينية والإنسانية والوطنية الرفيعة. فما من مغنمٍ ومكسبٍ وقيمةٍ وقمةٍ ونجاحٍ إلا وكان وقوده مستخلصًا من المسؤولية الهادفة والهمة القوية.

بلا استخفافٍ أو استصغارٍ، فأنتم أهلٌ لهذه المسؤولية العظيمة، لأنكم مادة الماضي، وروح الحاضر، وزاد المستقبل. طاقاتكم وخبراتكم كنزٌ لا يُقدَّر بثمن، وآن الأوان لتوظيفها في بناء سوريا الجديدة. لا تتراجعوا، ولا تسمحوا لأحد بأن يفرض عليكم أجنداته. احذروا التبعية، وتمسكوا باستقلاليتكم وطموحاتكم. فكونوا حملة الراية، وقادة النهضة، ومفاتيح التقدم، ولبنات العمران. لأنكم الدرع المنيع، والمورد المستدام، والفاعل الحيوي، وخامة الطاقة المحورية في هذا الطريق المفصلي.

فهذا المورد الحساس أكثر جذبًا من غيره في رهانات الاستقطاب والتجنيد من قبل الغير. وقد كان في سابق المرحلة محاولةٌ ونجاحٌ للعديد من الأطراف باستغلال طاقات الشباب وتحويلها إلى أدوات تنفيذية بلا هدفٍ واضحٍ، لقتل روح التغيير والقيادة، وتجميدها وظيفيًا، واستنزاف القوى المعنوية لها أمرًا واستخدامًا. وهذا الوقت هو الأنسب من غيره لنفض تلك المساعي الانتهازية واستئصالها، حتى تكونوا قوةً مناهضةً لكل ذلك الانحراف، وذلك بتعزيز الروابط بينكم على أساس الإيمان والتآخي، خدمةً للصالح العام ونشرًا للأمل، الذي فيه بواعث للتفكير الحر، والعمل المستقل، والإبداع اللامحدود.

لتكن تلك دروسًا لظروف الماضي تُحصر فيه وتُدفن به، بغير تفعيلٍ في الحاضر أو اتباعٍ في المستقبل. آن الأوان لتجاوز غبار السنوات، والاستعداد لتحديات المستقبل بكل ما يحمله من صعوبات. لا شيء يقف أمام الإرادة، وما من قمةٍ تُصعَد إلا بالهمة العالية. ولا سبيل للنهوض وتحقيق التطلعات وبلوغ الطموحات الفردية والجماعية إلا بجهود تعاونية، وقوى موحدة، متماسكة متعاونة، لصالح غايات نبيلة، وترنو إلى أهداف حميدة، بوسائل متينة، وقلوب مؤمنة، ونفوس ثابتة، وأبدان متجلّدة، تضمر الحماسة والأخلاق والهدف والمشروع السليم. وهذا المشروع، الوحدة والتكامل، يحتاج إلى إخلاصٍ وعزيمةٍ، ونيةٍ حسنةٍ، لأنها هي المؤهلة لبناء المستقبل الواعد، وهي التي تترك أثرًا نيرًا في التاريخ. فلا تختزلوا أنفسكم بكلماتٍ أو ترضيكم شعاراتٍ، لأن دوركم أكبر من كل سردية عاطفية.

وحتمية اليوم، وواجب المرحلة، يقتضيان منكم مضاعفة السعي، والمشاركة الفعالة، والمبادرة المتواصلة. فلتكن القوى مترابطة، والأقدام ثابتة، والجهود متضافرة. ولا تنسوا أنكم تحملون في قلوبكم شعلة الحرية التي هي أيقونة الكفاح، وفي أيديكم قدرة التغيير الذي هو جوهر التقدم. فامضوا قدمًا، لأن سوريا الجديدة تُناديكم وتنتظركم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى