مقالات الرأي

باسل معراوي يكتب لـ”داماس بوست”: لماذا تصريحات وزير الخارجية التركي مفاجئة وصادمة؟

 

لم تكن متوقعة أو موفقة أبدا تصريحات السيد مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي بشأن علاقة تركيا بالملف السوري ككل.

لم تكن متوقعة لأن الدهشة والحيرة والتفسيرات المتناقضة لفت تلك الأقوال، وليست موفقة لانها أسفرت عن اندلاع احتجاجات شعبية ورفض لها وإدانة أو استنكار أو عدم قبول من كل الفعاليات العسكرية والمدنية الرسمية والشعبية الصديقة لتركيا والحريصة على صداقتها.

لقد أتت تلك التصريحات في خضم ترقب شعبي واكب خلال أكثر من شهرين تصريحات للقيادة التركية عن عزمها البدء بعملية أو عمليات عسكرية في الشمال السوري تؤدي بالنتيجة لتحقيق أمرين تتقاطع بهما المصالح المشتركة، وهما إبعاد الخطر الإرهابي عن الحدود التركية التي تراها أنقرة مناسبة لها، وتحرير لأراض سورية من احتلال عصابات قنديل وعودة سكانها الى بيوتهم.

وتم تحديد المكان بحيث يكون في المرحلة الأولى منبج وتل رفعت.

استبشر الأهالي خيرا وحزموا حقائبهم واستعدوا لنزع أوتاد خيامهم والعودة لأراضيهم التي يرونها بالعين المجردة ولاتبعد خيمة النازح من أهلها إلا بضع كيلومترات عن منزله وأرضه وذكرياته ومرابع طفولته وشبابه.

كان الترقب على حلول ساعة الصفر هل هي بمنتصف ليلة ما؟… هل بعد انتهاء موسم الحج والعيد؟ هل هي قبل قمة الناتو في مدريد بأواخر حزيران الماضي أم بعدها؟ وهل موافقة الحليف التركي على انضمام السويد وفنلندا للحلف الأطلسي كانت مقدمة لها؟ هل ستكون ساعة الصفر قبل قمة جدة العربية الأمريكية التي عقدت في منتصف تموز الماضي أم بعدها؟ هل يعني تفهم وزيري الخارجية الروسي والايراني خلال زيارتيهما المنفصلتين لأنقرة عن مخاوف تركيا الأمنية الضوء الأخضر للبدء بالعملية؟ وانتقل انتظار ساعة الصفر الى قمة أستانة في طهران والتي رآها البعض ردا على قمة جدة، هل ستكون الساعة المنتظرة قبل قمة طهران أم بعدها؟

لم تقترب ساعة الصفر ولم ينشق القمر، واتجهت الأنظار صوب موسكو، والقمة الثنائية بين الرئيسين التركي والروسي، هل استعصى الضغط على ضوء العملية الأخضر في طهران وقطع الإيراني الكهرباء بل ضغط على زر أحمر وكان الرئيس الروسي يفضله برتقاليا، هل ذهب الرئيس التركي إلى سوتشي لكي يضغط الرئيس الروسي باجتماعهما المغلق على الضوء الأخضر؟

انتهت القمة وبدل أن نرى الضوء الأخضر في نهاية نفق العملية التركية صدمتنا تصريحات السيد الوزير جاويش أوغلو
وكان أغلبية المتابعين والمحللين يختلفون على موعد بدء العملية أو على محدوديتها او شموليتها لأكثر من منطقة بآن واحد، أو على طبيعتها هل هي اجتياح بري كلاسيكي كما العمليات الأربع أم موافقة أمريكية وروسية للطيران التركي المسير على استهداف القيادات الارهابية الخطرة التي تريد أنقرة تصفيتها.

كان الحديث عن وساطة إيرانية بين أنقرة ودمشق لا يأخذه أحد على محمل الجد، لأن تلك كانت رغبة إيرانية قديمة كانت ترفضها أنقرة رفضا قاطعا.

وعند إعلان وزير الخارجية الإيراني عنها من دمشق لم يلتفت إليها أحد أو يلقي لها بالا، وما أكد ذلك دعوة وزير خارجية النظام إلى طهران تزامنا مع انعقاد القمة الأخيرة على أمل إحداث خرق ما وترتيب لقاء تركي مع النظام ولو على مستوى وزيري الخارجية.

لم يحصل ذلك بل كان جو القمة بطهران متلبدا بالغيوم بين روسيا وإيران من جهة وتركيا من الجهة الأخرى، ولم يختلف اثنان على تقييم قمة طهران بالفاشلة وأنها سلقت على عجل ولم يتم التحضير لها جيدا ورغب الإيرانيون والروس بإبراز محور أستانة كمحور مناهض لمحور 9+1، دول مجلس التعاون الخليجي الستة مع مصر والعراق والأردن مع الرئيس الأمريكي كقمة عربية أمريكية تاريخية عنوانها ومضمونها مناهض للتمدد الإيراني والدور الروسي في المنطقة، وكان ظهور إحدى دول الناتو بقمة طهران يعتبر إنجازا هاما.

مع كل ذلك قابل الرئيس التركي المرشد الأعلى ولم يسمع منه إلا اعتراضا قويا على عمليته العسكرية في الشمال السوري.

ومما يدلل على فشل المساعي الإيرانية الروسية بإحداث اختراق مهم بين النظام السوري وتركيا هو تصريحات المقداد من طهران في اليوم التالي للقمة التي هاجم بها تركيا بعنف.

ماذا حدث في لقاء القمة الأخير في سوتشي؟ وبدأ سماع صيغة خطاب تركية مختلفة من المسؤولين الأتراك عن مقاربة قد تكون مختلفة للملف السوري توجها السيد أوغلو بتصريحه الأخير عن ضرورة إجراء مصالحة ما بين المعارضة والنظام هو المفاجئ لكل السوريين في الشمال المحرر والخارج وعتب شديد على الوزير وصل لاندلاع المظاهرات الشعبية العارمة الرافضة لها والمطالبة بدعم تركي للشعب السوري كما كان بل أكثر من السابق والتمترس بالحل الدولي وفق القرارات الدولية.

ويجب أن نلاحظ الارتباك الذي اعترى المسؤولين الأتراك من شرحهم لمعنى مصالحة التي ذكرها الوزير التركي بل أنه يقصد التوافق وإصدار الخارجية التركية للببان الرسمي الذي يجدد الثوابت التركية حيال الملف السوري.

إن كلمة “مصالحة” لا يفهمها الشعب السوري الثائر إلا مصالحات وتسويات على طريقة المصالحات التي قام بها النظام في الجنوب السوري والتي كانت فاشلة ونتائجها كارثية مع علم الجميع أن الشمال المحرر بملايينه الخمسة هم من رافضي أي صلح أو تسوية مع النظام المجرم ولايرون سبيلا للحل إلا بإسقاطه ومحاكمة المجرمين وتحقيق العدالة الكاملة.

والكثير منهم ترك منزله وسكن خيمة في الشمال أو أتى بباص أخضر رافضا أي تسوية أو مصالحة مع النظام قبل بها غيره.

لايمكننا إلا تسجيل ملاحظة جديرة بالاهتمام هي أن السجالات الآن تدور في الصف السوري التركي، ولم نلحظ أي ترحيب من نظام الأسد بالخطوة التركية المفاجئة ولا حتى ترحيبا روسيا أو إيرانيا باعتبار أن ذلك التصريح الشهير قد يكون تعبيرا عن خطة أستانية مدروسة لمقاربة للحل السوري بعيدا عن مسار جنيف الأممي.

حتى أن وقع تلك التصريحات التركية من المفترض أن تصب في صالح نظام الأسد الصامت لحد الآن والذي بدل أن تتحسن الليرة السورية مقابل الدولار فإنها تهاوت كثيرا في الأيام الأخيرة لمستويات قياسية، الأمر الذي يفسره البعض أن تلك التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية التركي تستهدف الداخل التركي وليس غيره وهي في ضوء الصراع الانتخابي المبكر بين حزب الحكومة والرئيس وأحزاب المعارضة التي توحدت كلها بجبهة واحدة ضده والغاية من ذلك سحب ورقة قوية من يد المعارضة التركية.

بقلم: د. باسل معراوي

هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي “داماس بوست”.

د. باسل معرواي

باحث وكاتب في الشأن السوري ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى