مقالات الرأي

الانتفاضة الإيرانية إلى أين؟

 

بعد مقتل الفتاة الإيرانية ذات الأصول الكردية “مهسا” على يد كتائب الأخلاق الإيرانية، يبدو أن الاحتجاجات في إيران تختلف عن سابقاتها وتأخذ منحى متصاعدا من حيث الشعارات السياسية التي تطرحها ومن حيث الانتشار ومن حيث عمق الشرائح الاجتماعية الإيرانية التي تخرج بها وهذه الاحتجاجات مهمة، لأن أي تغير سياسي في إيران سينعكس على منطقة الشرق الأوسط برمتها وسيؤثر على علاقات إيران بذرائعها الميليشياوية وتحالفاتها الإقليمية في المنطقة، وهنا يطرح السؤال المركزي هل يمكن لهذه المظاهرات والاحتجاجات أن تتحول إلى ثورة شعبية عارمة إن لم تنتهي بإسقاط النظام فهل يمكن أن تحدث تغييراً جوهرياً في بنيته وسلوكه ؟ أم أنها مجرد موجة احتجاج عادية كما حدث في عام 2009 وفي 2019 حيث استطاع النظام الإيراني أن يحتويها وينهيها بالقمع؟
أعتقد أن هذا السؤال وهو مربط الفرس للباحثين والمرقبين للشأن الإيراني يطرح مجموعة من المؤشرات التي يجب أن نراقبها قبل استشراف مآلات ما يحدث في إيران وإلى أين يمكن أن ينتهي.
من هذه المؤشرات هو تحديد جغرافيا انتشار المظاهرات و هل تخرج بها أطراف إيران من الأقاليم البعيدة عن عقدة المركز في طهران أم أنها تنطلق من المركز والأطراف على حد سواء وهذا يعني أن النظام سينشغل بضبط المركز مما يسمح للأطراف بمساحة من حرية تطوير الاحتجاجات بشكل أكبر ومن الواضح أن المركز ملتهب مثله مثل الأطراف .
وهل هذه المظاهرات تقتصرعلى قومية واحدة من عرب أو كرد أو تركمان وبلوس وفرس أم أنها عابرة للقوميات يبدو أنها لاتزال في زخمها عند القومية الكردية والفارسية والتركية ولا يزال انخراط العرب فيها متأخر بسبب حساسية منطقة الأهواز وكثافة انتشار الجيش الإيراني في هذه المنطقة وهذا ما يضعف الحراك لكن التطورات قد تدفع بالعرب للدخول على الخط وعدم الاكتفاء بالمراقبة .
وهل يخرج المتدينون في الاحتجاجات أم غير المتدينون؟ وهنا يبدو أن أغلب الشباب الذين يخرجون هم من غير المتدينين والرافضين للحجاب الذي كان سباباً في مقتل الفتاة مهسا وهذه نقطة ضعف الحراك من جهتين من جهة إعطاء ذريعة للنظام الإيراني لتكفير المحتجين ومواجهتهم بالحرس الثوري المؤدلج ومن جهة خلق شرخ داخل صف المعارضة بين المحافظين وغير المحافظين .
وهل تشارك بها المرأة بزخم أم بضعف وشكلية؟ يبدو أن مشاركة المرأة في هذه المظاهرات محورية وتأخذ طابع الرمزية المرتبط بمقتل الفتاة مهسا وهو ما يدفع لحشد التأييد المدني من قبل شرائح الرياضة والفن والجامعات وهي نقطة قوة كبيرة للحراك
وهل ترفع مطالب سياسية جامعة وواضحة أم مطالب قومية واجتماعية خاصة تتعلق بتحسين الظروف المعيشية؟، حتى الآن يبدو أن الشعارات متركزة على إسقاط مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي وهذا تطور لافت ومهم من حيث النضج السياسي للمحتجين بتوحيدهم للشعارات وعدم رفع مطالب خاصة يمكن أن تسهم في تقسيم الحراك وزرع بذور الخلاف بين الناشطين والقوى الاجتماعية المحركة للاحتجاجات.
و هل هناك تناقض في بنية النظام يفتح ثغرات لانشقاقه أم أنه متماسك؟ يبدو أن النظام الإيراني معقد ومؤدلج وكمية الخلافات في داخله لا ترقى إلى درجة ورود احتمال الانشقاق في بنيته وهو ما يعني اتجاه النظام لاستخدام أسلوب القمع والعنف لإخماد الحراك والاعتماد على فارق القوة العسكرية بينه وبين المحتجين وهذه نقطة قد تكون مؤثرة بشكل سلبي في الحراك.
و هل تنتشر في الريف مناطق الفقر والتهميش أم في المدن ومراكز التجارة؟ صحيح أن الحراك لم يمتد إلى “البازار الكبير” في طهران عقر دار طبقة التجار والرأسمالية الإيرانية لكن من المعلوم أن سوق البازار الكبير في طهران يسيطر عليه التجار الكرد والأتراك وهؤلاء مرتبطين معنويا بالأقاليم
و هل تحظى المظاهرات بتأييد دولي وإقليمي أم لا … يبدو أن الظروف الدولية والحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة كلها لا تسمح بدعم كبير للمتظاهرين إلا في حدود الضغط السياسي على النظام الإيراني ومجرد المجاملات السياسية للمحتجين فإيران تبتز الغرب بثلاث ملفات أساسية وتهدد أوروبا بها في حال سقوط النظام الإيراني
ملف المهاجرين واللاجئين وانتقالهم من إيران إلى أوروبا بالملايين
ملف المخدرات في حال سقط النظام الإيراني سيكون طريق تهريب المخدرات سالك.
ملف الإرهاب حيث تقدم إيران نفسها كسد مانع من انتقال ألاف الإرهابيين من باكستان وأفغانستان إلى أوروبا
والمؤشر التاسع هل تلتزم المظاهرات أسلوب السلمية والاحتجاج المدني أم العنف؟ يبدو أن الاحتجاجات لا تزال في طور العنف غير القاتل بمعنى الاكتفاء بحرق وتدمير بعض مؤسسات النظام بدون شهر السلاح والقتل لرجالاته لكن الأمر يمكن أن يتطور بناء على عنف النظام الإيراني وكيف يمكن أن تكون ردة فعل المحتجين تجاه عنف النظام .
لمؤشر الأخير هل المعارضة الإيرانية بكل أطيافها من حركة خلق ومعارضة الأهواز ومعارضة التركمان والبلوش قادرة على طرح مشروع سياسي بديل يحظى بالقبول المحلي والدولي و إفراز قيادة جامعة ومقنعة للشارع أم أنها مختلفة مع بعضها وستنقل خلافاتها إلى الشارع الأمر الذي سيفتح ثغرات للنظام الإيراني لاختراق الحراك واحتوائه وفصل الشارع عن المعارضة الكلاسيكية.
كل هذه الأسئلة هي بمثابة مؤشرات اختبار لإمكانية تحول الاحتجاجات إلى ثورة عارمة قادرة على تحقيق اختراق سياسي والتأثير على النظام الإيراني

مقال رأي
داماس بوست 27أيلول/سبتمبر 2022
عباس شريفة
هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي “داماس بوست”.

عباس شريفة

باحث بالشأن السوري وكاتب في العديد من مراكز الدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى