وقعت في مثل هذا اليوم… ماذا تعرف عن معركة “جالديران” الفاصلة بين العثمانيين والصفويين؟

 

يوافق اليوم الثلاثاء 23 آب/ أغسطس، الذكرى الـ508 لانتصار العثمانيين على الصفويين بمعركة “جالديران”، عندما قطع الجيش العثماني مسيرة خمسة أشهر وهزم جيش الشاه إسماعيل بعقر داره بمدينة تبريز في 23 آب/ أغسطس عام 1514، وذلك بعد محاولة الشاه فرض المذهب الشيعي، وارتكاب مجازر بحق السنة، وتهديد أمن الدولة العثمانية.

وتبدأ قصة المعركة، عندما أعلن سلطان الدولة العثمانية حينها، السلطان سليم الأول في اجتماع لكبار رجال الدَّولة، والقضاة، ورجال السِّياسة، وهيئة العلماء في عام 920هـ/ 1514م أنَّ إِيران بحكوماتها الشِّيعيَّة، ومذهبها الشِّيعيِّ يمثِّلان خطراً جسيماً لا على الدَّولة العثمانيَّة وحدها، بل على العالم الإِسلامي كلِّه، وأنَّه لهذا يرى الجهاد المقدَّس ضدَّ الدَّولة الصَّفويَّة.

وكان رأي السُّلطان سليم هو رأي علماء أهل السُّنَّة في الدَّولة، فقد قام الشَّاه إِسماعيل زعيم الدولة الصفوية عندما دخل العراق بذبح المسلمين السُّنِّيين على نطاق واسعٍ، ودمَّر مساجدهم، ومقابرهم، وازداد الخطر الشِّيعيُّ ضراوةً في السَّنوات الأخيرة من عهد السُّلطان بايزيد، وعندما تولَّى السُّلطان سليم السَّلطنة قامت أجهزة الدَّولة العثمانيَّة الأمنيَّة بحصر الشِّيعة التابعين للشَّاه إِسماعيل، والمناوئين للدَّولة العثمانيَّة ثمَّ قام بتصفية أتباع الشَّاه إِسماعيل، فسجن وأعدم عدداً كبيراً من أنصار الشَّاه إِسماعيل في الأناضول.

وأعلن السلطان سليم الحرب، وخرج الجيش العثماني من مدينة أدرنة متجهاً شرقاً، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من الاجتماع الذي عُقِد بين كبار رجال الدولة في المدينة نفسها، وتحرّك السلطان سليم على رأس جيشه المكوَّن من 140 ألف جندي، متجهاً نحو تبريز عاصمة الصفويين.

وبعد مسيرة خمسة أشهر، مرّ الجيش العثماني خلالها بولايات قونيا، وقيصري، وأرضروم، وصل الجيش إلى مشارف تبريز، واحتل المواقع الهامة بها واعتلى الأماكن المرتفعة والهضبية فيها، ما مكّنه من إحكام سيطرته على مجريات المعركة.

وفي صبيحة يوم 23 آب/ أغسطس من عام 1514م، التقى الجمعان في معركة عُرفِت باسم معركة “جالديران” بين العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول، وقوات الصفويين المسماة “القزلباش” بقيادة الشاه إسماعيل.

وانتصر جيش السلطان سليم على جيش الصفويين انتصارًا تاريخيا كان له آثار مدوية بعد المعركة، منها دخول العثمانيين لمدينة تبريز عاصمة الدولة الصفوية، حيث وضعوا حداً لتجاوزات الصفويين، وضموا إليهم غالبية مدن العراق وإيران، وأعلن رؤساء كردستان في ديار بكر، وماردين، والموصل، وسنجار، وحصن كيفا، والعمادية، وجزيرة ابن عمر، ولاءهم للسلطان سليم.

ولقد أدَّت هزيمة الشَّاه إِسماعيل أمام العثمانيِّين إِلى حرصه الشَّديد للتَّحالف مع النَّصارى، وأعداء الدَّولة العثمانيَّة، ولذلك تحالف مع البرتغاليِّين، وأقرَّ استيلاءهم على هرمز في مقابل مساعدته على غزو البحرين، والقطيف إِلى جانب تعهُّدهم بمساندتهم ضدَّ القوات العثمانيَّة، وقد تضمَّن مشروع التَّحالف البرتغالي الصَّفوي تقسيم المشرق العربي إِلى مناطق نفوذ بينهما، حيث اقترح أن يحتلَّ الصَّفويُّون مصر، والبرتغاليُّون فلسطين.

إِنَّ الشَّاه لم يتوقف عن البحث عن حلفاء ضدَّ الدَّولة العثمانيَّة الَّتي أصبحت القوَّة الكبرى الَّتي تحول بينه وبين الوصول إِلى البحر المتوسط، وكان مستعدَّاً لأن يتحالف حتَّى مع البرتغاليين أشدِّ القوى خطراً على العالم الإِسلامي حينذاك، إِلا أنَّ وفاة البرتغالي “ألبوكيرك” الَّتي أتت بعد ذلك قد أعاقت ذلك التَّحالف.

يذكر أن الصِّراع بين السُّنَّة في العالم الإسلامي، والشِّيعة في إيران، لم ينته بانتهاء معركة جالديران، وإِنَّما ازداد العداء حدَّةً، وازداد الصِّراع ضراوةً، وظلَّ الطَّرفان يتربَّص كلٌّ منهما بالآخر.