صراع النفوذ الخفي… كمال حسن ورامي مخلوف ومحاولة إعادة تشكيل مراكز القوة في سوريا

يكشف تحقيق حديث لوكالة “رويترز” عن ملامح صراع جديد يدور في الكواليس داخل المشهد السوري، يقوده اثنان من أبرز رجال المرحلة السابقة: رئيس شعبة المخابرات العسكرية الأسبق اللواء كمال حسن، وابن خال الرئيس السابق رامي مخلوف، وتشير المعلومات إلى أن الرجلين يسعيان، من مقرّهما في موسكو، إلى استعادة جزء من نفوذهما المفقود بعد تغيّر هيكل السلطة، عبر دعم تشكيل مجموعات مسلّحة وإعادة تفعيل شبكات قديمة كانت تتحرك تحت رعاية النظام السابق.
إحياء شبكات قديمة ومحاولة استقطاب قواعد اجتماعية
وفقًا للتقرير، ينفق حسن ومخلوف ملايين الدولارات لاستقطاب كوادر من الطائفة العلوية في الساحل السوري ولبنان، مع الإشارة إلى شبكة يقدّر حجمها بأكثر من خمسين ألف مقاتل محتمل، وتضم هذه الشبكة غرف عمليات تحت الأرض وأسلحة مخزّنة منذ سنوات، إضافة إلى أنظمة اتصالات وطاقة.
كمال حسن، المعروف بتشدده، يستخدم خطابًا يقوم على فكرة “استعادة السيطرة” في الساحل، بينما يحاول مخلوف إعادة تقديم نفسه كقائد قادر على حماية مصالح الطائفة بعد خسارة النظام السابق للسلطة.
حكومة جديدة تتحرك… ورسالة واضحة للطائفة
وبموازاة ذلك، تعمل الحكومة السورية الحالية عبر شخصية تتولى ملف العلويين، حيث نقلت “رويترز” عنه قوله إنهم:
> “نعمل على التعافي واقتلاع جذور الطائفية، ولا نسمح لأي جهة باستغلال مخاوف الطائفة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة.”
ويعكس هذا الخطاب توجهًا سياسيًا واضحًا لدى الحكومة الجديدة لتقليص تأثير المراكز القديمة للنفوذ، وبناء علاقة مختلفة مع القاعدة الاجتماعية التي شكّلت لعقود العمود الفقري لحكم الأسد.
تصريحات لافتة من محافظ طرطوس
أبرز ما كشفه التحقيق هو موقف محافظ طرطوس أحمد الشامي، الذي ظهر أكثر وضوحًا في تقييمه لهذه التحركات ونقلت “رويترز” عنه قوله:
> “نحن على دراية تامة بالخطوط العريضة لمخططات مقربي الأسد، ونراقب أي محاولة لإحياء شبكات مسلحة.”
وأضاف المحافظ أن الحكومة لا ترى أن هذه المحاولات تشكل خطرًا فعليًا:
> “نحن متيقنون بعدم قدرة المقربين من الأسد على تنفيذ خطوات فعالة ضد الحكومة السورية.”
وفي تعليق مهم يعكس نظرة رسمية هادئة تجاه هذه التحركات، قال:
> “نعم، هناك شبكة غرف قيادة مرتبطة بهم، لكنها ضعيفة وغير قادرة على الحركة.”
هذه التصريحات تؤكد أن السلطات السورية ليست فقط على علم بما يجري، بل تعتبر أن ما يملكه الرجلان من أدوات لم يعد يتمتع بالفاعلية التي كانت قائمة قبل سنوات.
تمويلات ضخمة… لكن هشاشة في البنية
تشير الوثائق إلى أن رامي مخلوف يموّل مجموعات موزعة على 80 كتيبة، ويدّعي امتلاك نحو 54 ألف مقاتل، لكن الرواتب التي يدفعها، بين 20 و30 دولارًا شهريًا، تعكس هشاشة بنيته. كما تظهر السجلات أنه أنفق ما يقارب ستة ملايين دولار خلال العام، لكن الأزمة المالية التي يواجهها أدت إلى تأخر الرواتب منذ أكتوبر.
أما كمال حسن فأنفق نحو 1.5 مليون دولار على 12 ألف عنصر، عبر منظمة خيرية تعمل كغطاء اجتماعي. كما دعم مجموعات من المخترقين الإلكترونيين الذين نفذوا هجمات على مؤسسات حكومية.
انقسامات داخل الطائفة وتراجع الثقة بالوجوه القديمة
شهد الساحل السوري خلال العام احتجاجات واسعة، بعضها انتهى بمواجهات دامية، إضافة إلى مظاهرات في حمص ومناطق أخرى قادها رجال دين يرفضون النفوذ التاريخي لحسن ومخلوف. كما أعلنت الحكومة تفكيك خلية تتهمها بأنها مرتبطة بمخلوف كانت تخطط لاستهداف صحفيين وناشطين.
في الوقت ذاته، لم يظهر ماهر الأسد الذي لا يزال يحتفظ بشبكة قوة عبر الفرقة الرابعة، أي استعداد لدعم تحركات الرجلين، ما يعكس حجم الانقسام داخل المعسكر القديم.
أدوات متهالكة ورغبة شعبية معدومة بالتجارب الجديدة
ورغم وجود غرف عمليات سرّية وأسلحة مخزّنة، تشير معظم المعطيات إلى أن البيئة الشعبية داخل الطائفة غير راغبة في الدخول بأي مواجهة جديدة. بينما تواصل الحكومة بناء مقاربة مختلفة مع الساحل، وتؤكد أنها على علم بكل التحركات، وأنها، وفق تصريحات محافظ طرطوس، لا ترى في هذه الشبكات “قدرة فعلية على الحركة”.
وفي ظل غياب دعم خارجي، وتراجع مكانة عائلة الأسد، يبدو أن المعركة الحقيقية تدور اليوم حول النفوذ الرمزي أكثر من كونها صراعًا على السلطة، في وقت ينتظر فيه الجميع تحوّلات سياسية أكبر قد تعيد تشكيل المشهد من جديد.
تحليل سياسي: الصحفي رياض الخطيب




