التقارير الإخباريةمحلي

دمج قسد في الدولة السورية: اتفاق أم تكريس للأمر الواقع؟

 

بقلم الصحفي: رياض الخطيب
دمشق : 20- ديسمبر – 2025

تفيد معلومات متداولة أن الحكومة السورية أبلغت قوات سوريا الديمقراطية قسد رسميًا، عبر رسالة خطية من وزير الدفاع، قبولها بتفاهمات كانت قد نوقشت سابقًا بشكل غير معلن، هذه الخطوة لا تقتصر على تثبيت اتفاق شفهي، بل تمثل اعترافًا رسميًا بترتيبات عسكرية وأمنية تحمل انعكاسات كبيرة على شكل الدولة السورية ومستقبل سيادتها.

الرسالة التي وُجهت مباشرة إلى قيادة قسد جاءت بعد فترة من التردد، خاصة عقب عودة الرئيس أحمد الشرع من زيارة إلى الولايات المتحدة، ويُرجّح أن هذا التحول يعكس ضغوطًا سياسية أمريكية لإعادة تفعيل التفاهم، في إطار إدارة العلاقة بين دمشق وقسد، وليس بالضرورة حلها بشكل جذري.

بحسب المعطيات، يسمح التفاهم لقسد بالاحتفاظ بقوتها العسكرية ككيان موحد، منظم ضمن ثلاث تشكيلات رئيسية، مع استمرار سيطرتها الأمنية على مناطق شمال شرق سوريا، في المقابل لا يُسمح لقوات الجيش أو الأجهزة الأمنية الحكومية بدخول تلك المناطق، ما يعني عمليًا الإبقاء على واقع أمني منفصل داخل حدود الدولة.

هذا الترتيب يثير تساؤلات جوهرية حول معنى “الدمج”. فبدل حل التشكيلات المسلحة وإدخال أفرادها ضمن مؤسسة عسكرية واحدة، يجري تثبيت وجود قوة مستقلة، بمهام وحدود واضحة، وهو ما يُعد أقرب إلى تقاسم النفوذ منه إلى بناء جيش وطني موحد.

ويشمل التفاهم أيضًا منح قسد تمثيلًا داخل مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، عبر تخصيص مناصب رفيعة لمرشحيها، هذه الخطوة تُقدَّم على أنها شراكة، لكنها عمليًا تفتح الباب أمام إدخال المحاصصة إلى مؤسسات يُفترض أن تكون محايدة، وتخضع لمعايير مهنية واحدة.

أما الحديث عن دمج عشرات القياديين العسكريين من قسد في مواقع قيادية مستقبلية داخل الجيش، فيطرح مخاوف تتعلق بتجاوز المسارات النظامية المعتمدة، وإعادة تشكيل المؤسسة العسكرية وفق اعتبارات سياسية، لا وفق قواعد مهنية ووطنية جامعة.

على مستوى المستقبل، فإن تنفيذ هذا التفاهم بصيغته الحالية قد يؤدي إلى تكريس نموذج دولة بسلطتين أمنيتين: سلطة مركزية محدودة الصلاحيات، إلى جانب قوة مسلحة تملك نفوذًا فعليًا على الأرض، مثل هذا النموذج لا يعالج جذور الأزمة، بل يؤجلها، ويجعل أي استقرار عرضة للاهتزاز في أي لحظة.

إقليميًا، يُتوقع أن يواجه هذا المسار اعتراضًا تركيًا واضحًا. فأنقرة ترى في قسد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وتعتبر أي اعتراف رسمي بدورها داخل الدولة السورية خطوة غير مقبولة. هذا الموقف قد ينعكس توترًا سياسيًا أو خطوات ميدانية، ما يضيف تعقيدًا جديدًا إلى المشهد السوري.

في المقابل، تبدو الولايات المتحدة داعمًا أساسيًا لهذا التفاهم، انطلاقًا من حرصها على الإبقاء على شريك محلي قوي في ملف مكافحة الإرهاب. هذا الدعم لا يرتكز على رؤية واضحة لبناء دولة سورية موحدة، بقدر ما يهدف إلى إدارة التوازنات والحفاظ على النفوذ.

في المحصلة، ما يجري لا يمكن اعتباره دمجًا كاملًا لقسد ضمن مؤسسات الدولة، بل هو قبول رسمي بواقع مفروض منذ سنوات. اتفاق كهذا قد يخفف التوتر مؤقتًا، لكنه يطرح علامات استفهام كبيرة حول وحدة الدولة، وسيادة القانون، ومستقبل الاستقرار في سوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى