من خلال الاعتقالات… يسعى النظام إلى الفصل التام بين سكان مناطق سيطرته ومناطق شمال غربي سوريا
يلجأ السكان المقيمون في مناطق شمال غربي سوريا إلى توكيل أقاربهم لتثبيت عقود زواجهم، وتسجيل مواليدهم، واستخراج الأوراق الثبوتية اللازمة.
وبحسب مصادر أهلية من داخل مدينة التل بريف دمشق، فإن سكان المدينة يتعرضون للاحتجاز في أثناء محاولتهم استخراج أوراق ثبوتية لأقاربهم في إدلب دون أي مبرر سوى صلة القرابة.
ويبدو أن النظام يسعى من خلال هذه الاعتقالات إلى الفصل التام بين سكان مناطق سيطرته ومناطق شمال غربي سوريا الخاضعة لقوات الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام أوقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمال شرقي سوريا، من خلال استخدام عامل الخوف من الاعتقال في حال التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة المشتتين بين مناطق السيطرة المختلفة.
كما أكدت مصادر محلية أن معظم الأهالي يخشون من التحدث العادي مع أقاربهم المهجرين في إدلب، فضلاً عن قبولهم بتوكيلات هؤلاء الأقارب حتى ولو كانوا من الدرجة الأولى لإجراء الترتيبات اللازمة لاستخراج الأوراق الثبوتية التي يحتاجها أقاربهم.
فهناك شاب ثلاثيني يقيم في إدلب، تزوج منذ 5 سنوات، وحتى الآن لا يزال عازباً في القيود الرسمية، إذ لم يستطع تثبيت عقد قرانه بالرغم من وجود والديه في دمشق، حيث يخشى أقاربه من “الإقدام على هذه الخطوة المخيفة خاصة بعد سماعهم عن حالات اعتقال لأشخاص قاموا بنفس الإجراء”.
و أكّد مدير مكتب رابطة المحامين السوريين الأحرار في هاتاي المحامي عمار عز الدين أن النظام السوري يعمد منذ بداية الثورة إلى قطع الخدمات التي تقدمها الحكومة على المواطنين السوريين المعارضين في مناطق الشمال السوري كنوع من العقاب الجماعي.
وأضاف عز الدين أن النظام سبق أن تعمد إتلاف سجلات ووثائق أمانات السجل المدني من خلال القصف المدفعي أوقطع الخدمة الإلكترونية وإغلاق المديريات والأمانات وتعطيل كامل للمؤسسات المعنية بالتوثيق المدني في المناطق التي خرجت عن سيطرته، في سياسة ممنهجة لإخراج هذه الدوائر عن العمل.
وبناء عليه، يرى عز الدين أن “توقيف الأشخاص بمجرد استخراج أوراق ثبوتية لأقاربهم في مناطق المعارضة و حتى لو لم يكونوا معارضين و لكنهم هربوا من القصف و العمليات العسكرية هو أمر طبيعي ونتيجة حتمية لتصرفات النظام و سلوكه و ممارسته العملية في معاقبة السوريين في مناطق المعارضة”.
ويعاني السوريون المهجرون إلى الشمال السوري، من انعدام الخدمات الحكومية المعترف بها دولياً نظراً لقيام النظام بإغلاق كافة الدوائر الرسمية والمؤسسات الحكومية التي كانت تعمل على تسيير شؤون المقيمين في تلك المناطق، وهو ما أدى بالنتيجة إلى عدم قدرة السكان المحليين أو النازحين على تسجيل معاملات الأحوال الشخصية الخاصة بهم كالزواج والطلاق أو تسجيل الأطفال المولودين حديثاً لدى دوائر النفوس، إضافة إلى عدم القدرة على الحصول على الوثائق الشخصية الخاصة كالوثائق التعليمية أو البطاقات الشخصية أو جوازات السفر أو غيرها من الأوراق.
وعلى مدار العقد الماضي، لم تحيد المؤسسات الحكومية التابعة للنظام نفسها عن الصراع، بل غدت أداة من أدوات النزاع، ولم تستطع المؤسسات أن تكون مرفقاً عاماً تؤدي خدماتها بحيادية، وهذا الأمر ترك أثراً سلبياً على دور المؤسسات في الدولة، بحيث انحرفت عن دورها الأساسي في تقديم الخدمات إلى المواطن لتكون أداة بيد النظام والعسكر والأجهزة الأمنية.
وبالموازاة، تعمل السلطات التي تدير مناطق الشمال السوري على سد هذه الفجوة، لكنها وبالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها سواء في إدلب أو مناطق ريف حلب، لتوثيق البيانات الشخصية للمواطنين، إلا أنها تصطدم بطبيعة التوثيق المدني التي تعتبر مسألة سيادية، أي هي حق لمن يمثل الدولة السورية في المحافل الدولية.
ويوضح المحامي عمار عز الدين أن تسجيل الواقعات الذي تقوم به المؤسسات البديلة “غير معترف به قانوناً وفق القانون السوري استناداً لقانون الأحوال المدنية السوري رقم /26/ لعام 2007 و المعدل بالقانون رقم 13 لعام 2021، كون تلك الواقعات لم يتم تسجيلها في السجلات الرسمية للدولة السورية وفقاً للإجراءات التي نص عليها القانون المذكور و بالتالي لا يعترف قانونا بهذه الوثائق دولياً”.
وأضاف أنه “لذلك بقيت هذه الحالات أشبه بعملية توثيق لواقعات ولم تنتقل لتصبح وثائق بالمعنى القانوني، رغم أن معظم المؤسسات البديلة اتبعت الإجراءات المنصوص عليها في القانون السوري المتعلق بالأحوال المدنية”.