مقالات الرأي

الدكتور باسل معراوي يكتب في “داماس بوست”: أسباب قصف نظام الأسد لمخيمات إدلب

 

اعتاد النظام السوري وداعموه على الخروقات الدائمة لمنطقة خفض التصعيد في إدلب، سواء كان يوميا يستهدف خطوط التماس للتذكير دائما بامتلاكه ورقة وقف إطلاق النار التي يريد المساومة عليها أو رسالة للسكان القابعين تحت سيطرته بأن الحرب لم تلق أوزارها ولاصوت يعلو على صوت المعركة وأن كل المصاعب أو الأزمات المعيشية ليس من الوارد حلّها أو حتى مناقشتها طالما أن الحرب مستمرة.
وعندما يكون خرق النظام لقواعد الاشتباك بمناطق خفض التصعيد كبيرًا أو عن طريق إغارة لطائرات روسية تكون رسائل روسية لأنقرة سواء كانت للحصول على تنازل في الملف السوري أو غيره من الملفات الكثيرة والعالقة بين البلدين.

لكن ما ميّز المجزرة المروّعة الأخيرة التي شهدها مخيم مرام (والذي ترعاه الأمم المتحدة أيضا) وسقوط تسعة شهداء وأكثر من سبعين جريحا في مخيّم يضم مدنيين صبيحة يوم الأحد في السادس من شهر تشرين ثاني، هو حدث لابد من الوقوف عنده جليّا ومحاولة التعرف على أسباب ذلك الاعتداء والنتائج المتوخّاة منه.

من الناحية العسكرية لاقيمة أو معنى لتلك المجزرة، لأنها استهدفت مدنيين عزّل وأتت عبر راجمات الصواريخ والتي لاتستهدف مراكز عسكرية لإصابتها بدقة بل الغاية إحداث الأذى والدمار العشوائي في رقعة جغرافية محددة، كما أنه ليس من الوارد قيام النظام وحلفائه بحملة عسكرية لقضم مزيد من الأراضي نظرا للحالة المزرية التي تعانيها ميليشيا النظام على كافة الصعد، ويعتبر سلاح الجو الروسي هو الاساس لأي عملية عسكرية تستهدف احتلال أراض جديدة، فلا موسكو مستعدة لفتح معركة في سوريا وإغضاب صديقها التركي في خضمّ إنشغالها بلعق جراحها في أوكرانيا، لا حتى الميليشيات الايرانية والتي هي الأساس في أي هجوم بري بوارد أن تفعل ذلك لأن لامصلحة لطهران الآن والتي بدأت الانتفاضة الإيرانية (حيث دخلت شهرها الثاني)  تأخذ أبعادًا خطيرة من ناحية رقعة إتساعها أو عدم اتفاق القيادات الإيرانية على كيفية التصدي لها، إوحتى تركيز طهران المتزايد أخيرًا في التوتر الخطير الذي افتعلته مع المملكة العربية السعودية ودخول الولايات المتحدة على الخط، ولأن مراكز النفوذ والاهتمام الإيراني تقع في الشرق والبادية والجنوب.

ما يميز توقيت المجزرة الأخيرة هو حدوثها بعد الانعطافة التركية الأخيرة والتي بدأت منتصف الصيف الماضي بعد قمة ثلاثي أستانة بطهران وما أعقبه من تصريحات تركية عن نيّة أنقرة بإصلاح علاقاتها مع النظام السوري وحدوث لقاءات على مستوى قيادة الاستخبارات بينهما هي بالتأكيد ناقشت مواضيع أمنية تمهيدًا للقاءات سياسية.

إن حجم الملفات العالقة بين تركيا والنظام السوري كبير واختلاف أولويات  وأهداف كل طرف يجعل مسار التطبيع بينهما شائكًا جدًا، كما إن ضعف القبضة الروسية في سوريا وهي الراغبة والراعية لهذا المسار تجعل من الصعوبة إمكانية تجاوز تلك العقبات.

إذا أردنا أن نعرف سبب إقدام النظام على ارتكاب تلك المجزرة فعلينا وضع الشروط المعلنة لاي تطبيع للنظام مع تركيا وبدايتها شرطان رئيسيان وهم انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية والتوقف عن دعم فصائل المعارضة المسلحة قبل الدخول ببحث أي ملفات أخرى، يجب وضع هذان الشرطان جانبا لأنهما أشبه بالشروط التعجيزية والذي يفضي التمسك بهما الى إجهاض كل مسار  أو مساعي كسر الجليد بينهما.

ويمكن أن يكون سبب التصعيد الأخير احد الأسباب التي سأوردها أو مجموعها كاملة، حيث يواجه ملف تجديد القرار الدولي 2642 والذي ينظّم آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سوريا والذي يتيح دخول جزء من المساعدات الإنسانية عبر معابر لايسيطر عليها النظام (معبر باب الهوى) يواجه استحقاقا مهما في 10 كانون الثاني من العام القادم وهو تاريخ  انتهاء الستة أشهر الاولى من مدة سريانه والتي تستوجب تصويتًا جديدًا بمجلس الامن الدولي، وهذا القرار يحمل أبعادا من الصراع الامريكي الروسي قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، وقد ازداد ذلك بعد الغزو، وتريد موسكو أثناء عرض قرار التمديد أن تكون المعابر الداخلية عبر خطوط القتال مفتوحة  لعبور المساعدات إلى مناطق سيطرة المعارضة وبالتالي عدم الحاجة لمعبر لاتسيطر عليه السلطة التي تعتبرها الامم المتحدة سلطة شرعية.

وأيضًا تفاهمات موسكو 2020 بين الرئيسين التركي والروسي هي التي أفضت لوقف الهجوم على إدلب وثبتت خطوط القتال الحالية، وبالطبع تم صياغة تلك التفاهمات على عجل ولوقف شرارة حرب كادت أن تندلع ببن الروس والاتراك حينها…ويملك كلا الجانبان (الروسي والتركي) قراءة خاصة به أو تفسيرًا لبنودها ومنها ترتيبات فتح الطريق الدولي m4، ولا أظن أن من الوارد أبدًا أن يجري الجيش التركي أي انسحاب من جنوب الطريق وأقصى ما يمكن فعله هو فتح الطريق الواصل من سراقب إلى اللاذقية مرورًا بجبل الزاوية.

كما أنّ فتح المعابر الداخلية بين مناطق النظام والمعارضة أمر حيوي وهام لإنعاش اقتصاد النظام المتهالك والذي يعاني من عقوبات دولية خانقة، وإن فتح تلك المعابر يساهم بتامين بعض السلع الضرورية له، ورغبة النظام بفتح المعابر الدولية مع تركيا وعبور تجارة الترانزيت المتجهة الى الخليج العربي ضرورية لرفد الخزينة الخاوية على عروشها، يتلكأ الاتراك (على ما يبدو) بالإقدام على فتح المعابر قبل الحصول على تنازلات مهمة بتوقيع وقف إطلاق نار شامل على جبهات إدلب وانهاء ملف خفض التصعيد، والحصول على مؤشرات جدية على انخراط النظام بمضايقة الحزب الذي تصنفه انقرة إرهابيا (PYD).

أخيرًا، إن إستهداف المنطقة التي تسميها أنقرة بالآمنة والتي تنوي إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري من أراضيها إليها يؤدي إلى إلحاق أذى خطير بالخطة التركية والتي أصبحت إحدى أهم أوراق حزب العدالة الحاكم بحملته الانتخابية لحل مشكلة اللجوء السوري في تركيا والتي هي الورقة الأهم التي جرى سحبها من يد المعارضة التركية. وإن تحديد موعدا للجولة 19 لمسار أستانة في نهايات الشهر الحالي والذي تحدد بعد المجزرة هو الرسالة المقصودة وبالدم السوري كالعادة لتحضير الملفات الواجب التوافق عليها بالاجتماعات المقبلة.

الأفكار الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي داماس بوست

د. باسل معرواي

باحث وكاتب في الشأن السوري ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى