أحمد أبازيد يكتب في “داماس بوست”: حول ما يحدث في درعا البلد وطريق السد والمخيم

بعد التفجير الانتحاري الأخير في درعا البلد، والذي قضى فيه أربعة أشخاص وفقد أحد الشباب قدمه والآخر بصره، أطلق المقاتلون في درعا البلد حملة ضد مجموعات هفو – الحرفوش المتمركزة في طريق السد والمخيم، بسبب ثبوت علاقتها بالتفجير واتهامها بسلسلة اغتيالات سابقة، استهدفت جميعها خيرة أبناء درعا وثوارها، وبينها اتهامات باغتيال عدنان أبو النور وأبو العز قناة، أحد أنبل الشباب الذين أنجبتهم سورية، عدا عن أن هفو نفسه حوكم سابقاً لضلوعه بتفجير مقرات وعتاد غرفة البنيان المرصوص في أثناء معركة المنشية عام 2018، ولكنه أخرج بوساطات أهلية.
في الحملة الأخيرة على درعا البلد العام الماضي قاتلت مجموعات درعا ضد اقتحام النظام وتعرضت للحصار والقصف الذي استمر لأسابيع، وعرض النظام فصل ملف درعا البلد عن المخيم الذي تتمركز فيه مجموعات هفو – الحرفوش ولكن كان هناك رفض قاطع من لجنة درعا البلد والمقاتلين وأصروا على أن مشاكل درعا يحلها أبناء درعا، وعادت الحرب حتى تحقيق اتفاق ثانٍ.
فشلت الوساطات الأهلية في إقناع هذه المجموعات بالخروج من طريق السد والمخيم، وأصبحت منطقتهم تجمعًا لخلايا داعش في المحافظة، بقيادة يوسف النابلسي ودواعش عراقيين، والذين حاربتهم المجموعات المحلية الثورية – وليس النظام – في جاسم وتسيل وعدوان سابقاً، وحرص مقاتو جاسم على إظهار اعتراف أحد أمراء داعش الذي يقول فيه إنهم تلقوا أوامرهم من الأمن العسكري بقيادة لؤي العلي.
الذين يحاربون هفو – الحرفوش من أبناء درعا البلد وهم نفسهم الذين حافظوا على نموذج درعا مختلفًا عن أي منطقة سيطر عليها النظام في سوريا، ومنعوا التغول الإيراني في الجنوب، وحافظوا على الكتلة الاجتماعية والنفس الثوري فيها، وهم نفسهم الذين أطلقوا شرارة الثورة السورية قبل 11 عامًا، وهم الذين منعوا النظام من اقتحام المخيم ضد هفو – الحرفوش أنفسهم، ولكن تعرضوا لعمليات اغتيال وعبوات وآخرها تفجير انتحاري من قبل هذه المجموعات.
سيبدو الحديث عن هفو – الحرفوش ودواعش معًا غريبًا، هفو – الحرفوش ليسوا جهاديين بقدر ما هم أحد النماذج الكثيرة لفاسدين وقاطعي طرق وجدوا في كل منطقة منذ بداية الثورة، ولكن هذه النماذج نفسها التي اعتمدت عليها داعش أساساً منذ عام 2013، لأن هذه المجموعات كانت منبوذة من التيار الثوري العام ومن الفصائل الأكثر انضباطًا، فوجدت مسار انتقام وشرعية بديلة عبر الاستعانة بداعش، عدا عن المصالح المالية.
سوف نجد الحديث عن فتنة واستهداف المجاهدين من قبل ذات الفئات التي تكرر هذا الكلام منذ عام 2014 عند أي اصطدام ضد داعش وأطيافها.
يمكن الحديث طبعاً أن المعركة المفتوحة لن تكون سهلة ولا محسومة وربما تضعف موقف الجنوب أكثر أمام تدخل النظام نتيجة الفوضى، وسيُقتل فيها أيضاً من تبقى من ثوار المنطقة، وأنه كان هناك خيارات أخرى ممكنة، ولكنه النقاش نفسه منذ إطلاق المعركة ضد داعش في الشمال السوري بداية 2014، والذي تسبب بخسارة أكثر من نصف المناطق المحررة لصالح داعش، ولكن عدم إطلاق المعركة كان سيؤدي لخسارة كل مناطق الثورة وشبابها.
الحديث عن مشاركة اللواء الثامن في الحملة على مجموعة هفو – الحرفوش، لا يلغي شرعية الحملة ولا يعطي الآخرين أي أفضلية، جميع معارك الجيش الحر ضد داعش كانت بالتزامن مع معارك بين داعش والنظام أيضاً، ومجموعة هفو – الحرفوش حاربت الثوار أكثر من اللواء الثامن، والذي حاول لعب دور وسيط في الإشكاليات السابقة ويبحث عن توسيع نفوذه، وهذا لا يبرر خيانته في 2018، وحتى هذا اللواء اشترط حسام لوقا تفكيك مجموعاته في الحملة الأخيرة على درعا، لأن النظام لا يقبل حتى نصف الولاء، وربما يصعب شرح توازنات الجنوب وأطراف المعادلة فيه، ولكن هذه الاختلافات بين الأجهزة هي التي سمحت ببقاء مناطق درعا خارج سيطرة النظام المطلقة وحافظت على بقية الثوار فيها.
الجميع يفضل تجنيب درعا أي حالة فوضى والحفاظ على وضع استقرار يحمي الأهالي هناك ويحافظ على تكتلهم ونموذجهم الخاص، ولكن ليس المعتدى عليه هو الطرف الملوم.
أحمد أبازيد – كاتب وباحث سوري
الأفكار الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي داماس بوست