لمعالجة أزمة الهجرة المتفاقمة… الاتحاد الأوروبي يعتزم تعيين موفد خاص إلى سوريا
يستعد الاتحاد الأوروبي لتعيين موفد خاص إلى سوريا، في خطوة أكد مسؤولون من المفوضية الأوروبية وقسم العلاقات الخارجية أنها لا تهدف إلى “التطبيع مع نظام الأسد”، بل إلى التعامل مع أزمة الهجرة المتفاقمة، والتي قد تتطور إلى مرحلة معقدة للغاية بعد المستجدات الأخيرة في لبنان.
وكانت رئيسة الوزراء الإيطالية، “جيورجيا ميلوني”، قد كثفت في الأشهر الأخيرة جهودها بالتنسيق مع نظيرها النمساوي، لدفع الاتحاد الأوروبي نحو مسار التطبيع مع سوريا بهدف تسهيل إعادة اللاجئين.
إلا أن هذا التوجه واجه معارضة قوية من بعض الدول الأعضاء، وعلى رأسها فرنسا، التي وافقت في النهاية، بعد مفاوضات مطولة داخل “المجلس الأوروبي”، على تعيين موفد خاص تكون مهامه محدودة في معالجة أزمة اللاجئين فقط.
وقد شكل موضوع اللاجئين والنازحين محور المحادثات التي أجرتها “ميلوني” خلال زيارتها الأخيرة إلى المنطقة، حيث كانت بيروت محطتها الأخيرة. هناك، ناشدها رئيس الوزراء اللبناني، “نجيب ميقاتي”، للتدخل في معالجة هذه الأزمة التي تهدد بالتصاعد في ظل ظروف شديدة الصعوبة، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء.
وقررت إيطاليا، التي تترأس حالياً “مجموعة الدول الصناعية السبع”، في يوليو الماضي، تعيين سفير لها في دمشق بهدف “تسليط الضوء” على سوريا، وفق ما صرّح به وزير الخارجية الإيطالي، “أنطونيو تاجاني”.
وكانت إيطاليا قد سحبت جميع أعضاء بعثتها الدبلوماسية من دمشق عام 2012، وعلّقت نشاطها الدبلوماسي احتجاجاً على “العنف غير المقبول” الذي يمارسه نظام بشار الأسد ضد مواطنيه.
وفي مطلع الصيف الماضي، وجهت إيطاليا وسبع دول أوروبية أخرى رسالة إلى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية، جوزيب بوريل، تدعو فيها إلى دور أوروبي أكثر فاعلية في سوريا، يساعد في إعادة عدد من اللاجئين السوريين الموجودين في دول الاتحاد، خاصة في النمسا وسلوفينيا وكرواتيا.
وتطالب الدول الأعضاء الموقّعة على الرسالة بالتخلي عن سياسة “اللاءات الثلاث”، التي تشمل: رفع العقوبات، والتطبيع، وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى التخلي عن المبدأ الذي ينص على استحالة تحقيق السلام في سوريا بوجود النظام الحالي.
وتشير تقارير “دائرة الهجرة” في الاتحاد الأوروبي إلى أن السوريين لا يزالون يغادرون بلدهم بأعداد كبيرة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وأن عدداً من اللاجئين السوريين في لبنان باتوا ينضمون إلى قوافل الهجرة غير النظامية إلى أوروبا نتيجة تفاقم الظروف المعيشية في لبنان خلال السنوات الأخيرة.
وقد وقّعت على الرسالة كل من إيطاليا، والنمسا، وقبرص، وجمهورية التشيك، واليونان، وكرواتيا، وسلوفينيا، وسلوفاكيا، معظم الدول الموقعة على الرسالة أعادت فتح سفاراتها في دمشق مؤخراً، وتُعدّ إيطاليا الدولة الوحيدة من بين دول “مجموعة السبع” — التي تشمل الولايات المتحدة، اليابان، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وكندا — التي استأنفت نشاطها الدبلوماسي في العاصمة السورية.
وقد عبّرت بعض الأوساط الإيطالية عن مخاوفها من احتمال امتداد النزاع الدائر في لبنان إلى سوريا، أو اتساع نطاقه إقليمياً، مما قد يؤدي إلى أزمة هجرة كبيرة جديدة، قد لا يكون الاتحاد الأوروبي مستعداً للتعامل معها في الظروف الراهنة.
ويقرّ المسؤولون الأوروبيون بعدم وجود أي آليات أو خطط حالية لإعادة اللاجئين، وأن الطرق القانونية لإعادتهم غير متاحة حالياً، إذ لا تُعد سوريا ضمن “الدول الآمنة” التي يمكن إعادة المهاجرين غير النظاميين إليها.
ومن المتوقع أن يركز الموفد الأوروبي الخاص في البداية على منع تدفق مزيد من اللاجئين السوريين من لبنان إلى أوروبا، وتقديم الدعم للسكان السوريين المتضررين من الأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد.
غير أن السياسة الأوروبية الجديدة، والتي تقود إيطاليا جهودها لوضع أسسها، تهدف إلى تحقيق هدف أكبر يتجاوز معالجة أزمة الهجرة، حيث تسعى إلى تعزيز الوجود الأوروبي في سوريا لمنافسة النفوذ الروسي المتزايد هناك، ومحاصرة النظام الإيراني الذي تلقّى ضربات قوية مؤخراً، بالإضافة إلى مواجهة التوسع التركي المتنامي في المنطقة.
تخضع سوريا منذ عام 2011 لعقوبات فرضتها والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأخرى. تشمل العقوبات الأمريكية حصاراً اقتصادياً وعقوبات دولية تستهدف مسؤولين في النظام السوري، وقد تبعها “قانون قيصر” الذي أقره الكونغرس الأمريكي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2019، والذي انتهت مفاعيله في مطلع الصيف الماضي.