في تحقيق خاص .. “داماس بوست” تكشف ما مدى صحة الأنباء حول دخول عائلات مسيحية إلى الشمال السوري
إعداد الإعلامي “رياض الخطيب”
أجرت وكالة “داماس بوست” تحقيقًا خاصًا حول المزاعم التي تفيد بدخول عائلات مسيحية عائدة من لبنان إلى الشمال السوري، وخاصة منطقة عفرين.
وبعد البحث والتتبع، تبيّن أن معظم العائلات الكردية التي كانت في لبنان وعادت إلى عفرين بعد التصعيد الأخير، عن طريق معبر عون الدادات، ليست عائلات مسيحية، وإنما هم بالأصل من المسلمين، وتحولوا عن دينهم واعتنقوا الديانة المسيحية، وفقاً لشهود عيان في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن السبب وراء تحول بعض الأكراد إلى الديانة المسيحية أثناء لجوئهم إلى لبنان يعود إلى الفقر، حيث استغلت بعض الكنائس المسيحية هذه الفرصة وقدمت لهم امتيازات متعددة، بما في ذلك مساعدات ومبالغ مالية وصلت إلى 100 دولار أمريكي شهرياً.
وبدورها، تتبعت وكالة “داماس بوست”، الأمر وحصلت على معلومات مؤكدة من أن الفاتيكان، وهي مقر القيادة الروحية للديانة المسيحية، لم يعترف بهؤلاء المسيحيين، ولم يقم بإجلائهم من لبنان بعد التصعيد الأخير في الجنوب اللبناني.
يشار إلى أن منطقة عفرين تضم نحو 360 قرية، معظم هذه القرى يقطنها أكراد سنّة، بالإضافة إلى بعض القرى من الطائفة اليزيدية وقرية واحدة من الطائفة العلوية، وقد شهدت المنطقة تحول العديد من الأكراد من الدين الإسلامي إلى المسيحية.
وكان الباحث السوري الآشوري المتخصص في قضايا الأقليات، “سليمان يوسف”، قد أوضح أن تحول العديد من الأكراد في سوريا إلى المسيحية ليس ظاهرة جديدة، بل يعود إلى فترة تسبق الأزمة السورية الحالية واجتياح “داعش” لمدينة عين العرب-كوباني.
وأشار “الباحث”، إلى أنه مع بداية هذا القرن، شهدت مدن وبلدات محافظة الحسكة نشاطاً تبشيرياً مسيحياً بين الأكراد المسلمين، وفي غضون سنوات قليلة، اعتنق العشرات منهم المسيحية.
وتم تأسيس ما سُمي بـ”حركة الكرد المسيحيين” في سوريا عام 2004 على يد القس الكردي “جلال فندي”، الذي اعتنق المسيحية وهو من ريف القامشلي. وتُعرف الحركة بالكردية باسم “خاتش”، وتعني “الصليب”.
وشهدت هذه الحركة نشاطاً متجدداً في المناطق التي عانت من جرائم التنظيمات الإسلامية المتطرفة، مثل كوباني التي احتلها تنظيم “داعش”، وذلك بعد سنوات من اندلاع الثورة السورية.
وأوضح “سليمان يوسف” أن “كردّ فعل على جرائم داعش ضد أكراد كوباني، تحول العشرات منهم إلى المسيحية”، مضيفًا: “حالياً، يمارس هؤلاء الأكراد نشاطهم وشعائرهم الدينية ضمن ما يُعرف شعبياً بـ”حركة الأخوة” وكنيسة الاتحاد الوطني الإنجيلية، التي تأسست في سوريا في تسعينيات القرن الماضي وأصبح لها عدة فروع في الحسكة والقامشلي والمالكية”.
كما أنه لم يقتصر تحول العشرات من الأكراد إلى المسيحية على كونه “ردة فعل على جرائم داعش”، بل إن الدعم الذي يتلقونه من واشنطن ودول أوروبا لمواجهة التنظيم المتطرف، والذي يُعتبر مصدر غيرة من قبل الكثيرين، كان عنصراً مهماً في انفتاحهم على المسيحية، وفقاً لمصادر كردية.
وبالرجوع إلى بعض المصادر في وحدات حماية المرأة الكردية، التي أشارت إلى أن عائلات بأكملها اعتنقت المسيحية مؤخراً، موضحة أن ما يسهل هذا التحول هو أن غالبية الأكراد في سوريا يتبنون الفكر العلماني.
وهذا ما أيّده “نواف خليل”، مدير المركز الكردي للدراسات، الذي يرفض وصف هذه الحالة بأنها “ظاهرة”، مشدداً على أن من يعتنقون المسيحية قد يصلون إلى العشرات أو المئات، لكنهم يظلون جزءاً صغيراً بالمقارنة مع 3 إلى 4 ملايين كردي يعيشون في سوريا.
وأوضح “خليل” أن النشاط الديني كان دائماً محدوداً في المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال السوري، مشيراً إلى حالات أخرى اعتنقت المسيحية في صفوف الأكراد المقيمين في السويد وأميركا وتركيا.
وتؤكد مصادر كنسية رفيعة المستوى في دمشق هذه المعلومات، مشيرة إلى أن بذور هذه الظاهرة قديمة، لكنها تجددت مع اندلاع الأزمة في المناطق الشمالية من البلاد.
وقالت المصادر: “هناك مجموعات تبشيرية وإرسالات تعمل في تلك المناطق، لكن بشكل عام فإن المواطنين هم من يبادرون، وقد لاحظنا انفتاحاً غير متوقع منهم”.
ووفقًا للمعلومات، من المقرر أن يزور وفد كنسي المناطق الكردية في الأسابيع القليلة المقبلة للاطلاع على الوضع عن كثب، في محاولة لتوثيق هذه الظاهرة وتحديد أسبابها الرئيسية، إضافة إلى دعم بناء الكنائس في المنطقة.