مقالات الرأي

كشف أباطيل آية الله محمد علي التسخيري..

د. علي محمد الصَّلّابي كاتب وداعية إسلامي متخصص في التاريخ والفكر الإسلامي

تعتبر هذه الظروف فرصةً مناسبةً لإعادة نشر مقالة قديمة للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي، التي نُشرت لأول مرة في صحيفة “ليبيا اليوم” في أيلول/ سبتمبر 2008م. جاءت المقالة ردًا علميًا من الشيخ الصلابي على آية الله محمد علي أكبر التسخيري، وهو أحد أبرز دعاة المشروع الإيراني الشيعي في مجالات الفكر والثقافة والتقريب بين المذاهب. وقد استند الشيخ في رده إلى رؤية شرعية مدعومة بأدلة فقهية، وشواهد تاريخية حول منهج التسخيري، وفكر الإمامة الاثني عشرية وأسسها الفكرية في ظل ولاية الفقيه، وتجارب مشايخ الشيعة في محاولة التقريب مع المذاهب الإسلامية السنية سابقاً، والتي باءت بالفشل بسبب عدم صدق وانعدام الثقة في تلك المبادرات. وتهدف هذه المقالة، ضمن إطار مشروع الإحياء السني، إلى توجيه رسالة إلى الشعب الليبي والمسلمين عمومًا، لتكون وثيقة مرجعية تساعد على فهم أعمق لعقائد هذا التيار الفكري ومنهجه الباطني عبر الأزمنة المختلفة.
ويقول الشيخ علي محمد الصَّلابي في مقالته:
إنها فرصة سانحة لنقول للداعية الزائر، بأننا سنسلك درب الحوار الجاد، للوصول الى الحقائق الدامغة، وكشف الشبهات المستكنة المتوارية، وتمييز السم عن الدسم.. كل ذلك بيراعٍ وقلم ينتقي أصدق الكلمات، ويقتفي آثار المتقين في محبة الهداية لجميع بني الإنسان.. أسودهم وأبيضهم وأحمرهم وأصفرهم.
وإننا سنقتحم هذه العقبة، بخبرة من اعتاد الاشتباك مع المشاريع الغازية والتحذير من المخططات الصليبية منها، أو اليهودية أو الشيعية سواء بسواء، وبعقل يستشرف المستقبل بتوفيق الله سبحانه وبحمده، ويستقرئ حركة التاريخ وسننه وقوانينه.
إننا بهذه الصفحات نرجو وجه الله عز وجل ونستعينه ونستهديه، ليحذر بني قومنا مما يراد بهم، وأن ينتبهوا لما يكاد لهم، وإن كان المقام هنا مقام مناقشة ما جاء به آية الله تسخيري في مقابلته المشار إليها آنفاً، والذي في نظري يعتبر من أعمدة المشروع الإيراني الشيعي في بعده الثقافي والفكري، وقدرته على جمع المعلومات، واختراق الحواجز والحصون واستيعاب شخصيات العالم السني المؤثرة، وكيفية التعامل معها وتسكينها وتحييدها أو تخديرها باسم التقريب والتقارب.
وكما لا يخفى،، فلقد تعرضت في كتبي ومقالاتي لصراع المشاريع؛ وقد أشرت إلى المشروع الأمريكي الصهيوني، والمشروع الإيراني الشيعي، والمشروع الصيني “مغول العصر” الحديث وتوابعه، وبالتالي فلا غرابة أن ينصب اهتمامي اليوم بتفاصيل ما جرى في حوار الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية..!!
وبما أن آية الله تسخيري ألقى بدلوه في قضايا شائكة في هذه المقابلة ولم يكن واضحاً بالقدر الذي يسمي فيه الأشياء بأسمائها وأوصافها، بل استخدم التقية والتدليس واللف والدوران، كعادته المشهورة؛ فقد رأيت ضرورة بيان المسائل العقائدية والفكرية التي أثار غبارها، حتى يتسنى للقارئ الكريم الوقوف على مقررات ومواقف الشيعة الإثنى عشرية الإمامية، وأن يتحصن من انحرافاتهم وتحريفاتهم، وعلى هذا الأساس فبين يديكم ملاحظتنا على ما ورد في مقابلته مع صحيفة ليبيا اليوم الإلكترونية المحترمة.

أولاً: قوله: الخلاف ليس واسعاً!
قال التسخيري: “الخلاف ليس واسعاً وربما كان الاتفاق يتجاوز 90%”..!!
والرد عليه، هو أن خلاف أهل السنة والجماعة مع المذهب الشيعي الأمامي، هو من نوع خلاف التضاد وليس خلاف التنوع، لأنه متعلق بالعقيدة وبكتاب الله وتفسيره، والموقف من السنة النبوية المشرفة، وعدالة الصحابة الكرام والتاريخ الإسلامي، والمنظومة الأخلاقية.. وغير ذلك كثير، وآية الله تسخيري يعرف هذا جيداً، ولكن طبيعة عمله التي تستهدف شق صفوف أهل السنة، وتخدير علمائهم ورموزهم وعامتهم تتطلب منه مثل هذه الأقوال المعسولة المليئة بالسموم الفتاكة، وسنبين بإذن الله تعالى في ردنا هذا بأن خلاف التضاد مع الشيعة؛ لهم فيه غرائب وعجائب وأكاذيب موجودة في كتبهم التي يدرسونها في حوزاتهم العلمية ومناهجهم التعليمية إلى يومنا هذا في قم والنجف وغيرهما من منارتهم البدعية، ومن تأويلهم في علم التفسير مثلاً ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ [البقرة: 67].. أنها السيد عائشة رضي الله عنها، وقوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: 12]، المراد طلحة والزبير..!! وأن قوله سبحانه: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد:1]، المراد بيدي أبي لهب أبو بكر وعمر..!! وأن ﴿الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء:60]، بأنها بنو أمية ..!!

ثانياً: الدعوة للتقريب..
قال آية الله تسخيري: “تشكلت لجنة في القاهرة باسم دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، وكان على رأسها علماء كبار من شتى المذاهب وبالخصوص من الشيعة والسنة.. إلخ، ثم خبا صوتها وخفت بموت أصحابها”..!!
والرد عليه،، بأن هذا كلام غير صحيح، وإنما خبا صوتها وخفت نتيجة لما وصلت إليه قناعة دعاة التقريب من أهل السنة، وكشفهم لألاعيب الشيعة وأكاذيبهم، وتحققهم من انعدام صدقهم، وقد كان من المتحمسين للتقريب يومها د. مصطفى السباعي رحمه الله، ففوجئ بعد لقاءات وحوارات بالطعن في الظهر ونكث ما اتفق عليه حيث قال “أن عبد الحسين شرف الدين الموسوي، الذي كان متحمساً لفكرة التقريب، قام بإصدار كتاب في أبي هريرة رضي الله عنه؛ ملئ بالسباب والشتائم، بل انتهى فيه إلى القول بأن أبا هريرة رضي الله عنه كان منافقاً كافراً، وأن الرسول قد أخبر عنه بأنه كان من أهل النار .. ثم يقول السباعي “لقد عجبت من موقف عبد الحسين من كلامه وفي كتابه معاً، ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي “.
ويذكر السباعي أن غاية ما قدم شيوخ الشيعة تجاه فكرة التقريب هي جملة من المجاملة في الندوات والمجالس، مع استمرار كثير منهم في سب الصحابة، وإساءة الظن بهم، واعتقاد كل ما يروى في كتب أسلافهم من تلك الروايات والأخبار .
ويتأسس على هذه المقدمة، أن مفهوم التقريب عند آية الله تسخيري والشيعة الأمامية؛ أن يتاح لهم المجال لنشر عقائدهم في ديار السنة، وأن يستمروا في نيلهم من أصحاب رسول الله ﷺ، وأن يسكت أهل السنة عن بيان الحق وإن سمع آية الله تسخيري ودعاة الشيعة الحق هاجوا وماجوا قائلين: إن الوحدة في خطر..!!
ومن تجارب التقريب ما قام به الشيخ موسى جار الله التركستاني القازالي الروسي، شيخ مشايخ روسيا في نهاية العصر القيصري وبداية الحكم السوفياتي، وكان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في أمور مسلمي روسيا، فقد حاول أن يجمع شمل الأمة وتحمس للتقريب، ثم درس كتب الشيعة والتقى بعلمائهم وذكر لهم قضايا خطيرة في أمور منكرة تحول بين الأمة واتحادها مع الشيعة مثل:
– تكفير الصحابة.. – تحريف القرآن..- اللعنات على العصر الأول ..- كل الفرق الإسلامية كافرة ملعونة خالدة في النار إلا الشيعة .- حكومات الدول الإسلامية وقضاتها وعلماؤها طواغيت في كتب الشيعة ..- الجهاد في كتب الشيعة مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل حرمة الميتة وحرمة الخنزير، ولا شهيد إلا الشيعة، والشيعي شهيد ولو مات على فراشه، والذين يقاتلون في سبيل الله من غير الشيعة فالويل يستعجلوه ..
ثم قال الشيخ.. مخاطباً شيوخ الشيعة: هذه ست من مسائل، عقيدة الشيعة فيها يقين، فهل يبقى لتوحيد كلمة المسلمين في عالم الإسلام من أمل وهذه عقيدة الشيعة؟؟، وهل يبقى بعد هذه المسائل، وبعد هذه العقيدة لكلمة التوحيد في قلوب أهليها من أثر.. ثم أردف ذلك بمسائل منكرة أخرى وذكر أن دين الشيعة روحه العداء، وأن ما في كتب الشيعة من حكايات العداء بين الصديق والفاروق، وبين علي كلها موضوعة وغير ذلك من الأمور، ونقل تلك المسائل من أمهات كتب الشيعة وعرضها على علماء الشيعة للاستيضاح بتاريخ 26 / 08 / 1934 م، وقال: ثم انتظرت سنة وزيادة ولم أسمع جواباً من أحد إلا من كبير مجتهدي الشيعة بالبصرة قد قام بوظيفته وتفضل علي بكل أجوبته في كتاب تزيد صفحاته على تسعين ؛ بكلمات في الطعن في العصر الأول أشد وأجرح من كلمات كتب الشيعة، ثم كتب الشيخ موسى جار الله كتابه ( الوشيعة في نقد عقائد الشيعة )، بعد أن لم ير استجابة من شيوخ الشيعة ويقول: إنني بذلك أدافع عن شرف الأمة وحرمة الدين، وأقضي به حقوق العصر الأول علي وعلى كل الأمة ..
فيا آية الله تسخيري.. إن أمثال السباعي وموسى جار الله، هم الذين كشفوا للأمة أكاذيب وأباطيل دعوة التقريب، والآن قد برز الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي لبيان خطر هذه الدعوة الشيعية على الأمة، وكيف أن ثوابت التقريب الحق يستحيل أن يستجيب لها الشيعة، لأن الخلاف فيها خلاف تضاد وليس بخلاف تنوع..
إن المنهج السليم للتقريب، لن يكون إلا بتقريبكم إلى الوحي المنزل والسنة المطهرة؛ من خلال جهد متميز كبير ينبغي أن يقوم به علماء الإسلام لنشر العقيدة الإسلامية الصحيحة المنبثقة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وبيان صحتها وتميزها عن مذاهب أهل البدع وكشف مؤامراتهم وأكاذيبهم والرد على شبهاتهم الموجهة للشعوب المسلمة السنية، وأن يكون كل ذلك بعلم وعدل وحجة وبرهان، ولا بد من أن يصاحب ذلك بيان انحرافات عقائد الشيعة وكشف أصولهم الخاطئة، والحرص على هدايتهم وتقريبهم من كتاب الله وسنة رسوله وهدي الخلفاء المهديين، وعلماء أهل البيت الراشدين..

ثالثاً: الشيعة وتحريف القرآن الكريم..
قال آية الله تسخيري: “الشيعة منذ صدرها الأول أي منذ علمائها الأوائل الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى وحتى عصرنا الحاضر الخط القوي يرفض مسألة التحريف بشكل كامل نعم هناك بعض المحدثين والذين لا قيمة لآرائهم لدى الأوساط العلمية ربما مالوا الى هذا المعنى، ولكنهم رفضوا من الخط العام ثم قال: فقضية التحريف قضية محسومة لا الشيعة يقولون بذلك ولا السنة لأن السنة أيضا عندهم بعض الآراء التي يرى منها مسألة التحريف”.
والرد عليه،، لقد اعترف التسخيرى، بأن بعض الشيعة يقول بتحريف القرآن وحاول اللمز والطعن في أهل السنة وبأن بعضهم يقول بذلك، وهذا بهتان عظيم.. فإن إجماع معتقد أهل السنة والجماعة على مر العصور والدهور هو أن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد ﷺ، والذي هو القرآن الموجود الآن بين أيدي المسلمين ليس فيه زيادة أو نقصان، ولا تغيير فيه أو تبديل، ولا يمكن أن يتطرق إليه شيء من ذلك لوعد الله بحفظه وصيانته، قال تعالى:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[الحجر:9]، وقال تعالى: ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾[فصلت:42].
ونحن نتحدى آية الله تسخيري وأئمة الشيعة الإمامية، أن يثبتوا أن أحداً من علماء أهل السنة، أو فقهائها أو حتى طلاب علمها قال بأن القرآن وقع فيه أي تحريف، ونقول على اتهامه لبعض أهل السنة بالقول بالتحريف في القرآن الكريم (سبحانك هذا بهتان عظيم) ..!!
أما علماء الشيعة الإمامية القائلين بأن القرآن حرف، وأسقطت منه بعض السور، وكثير من الآيات التي أنزلت في فضائل أهل البيت والأمر بإتباعهم والنهي عن مخالفتهم، وإيجاب محبتهم وأسماء أعدائهم، والطعن فيهم ولعنهم وقد اتهم الشيعة الصحابة رضوان الله عليهم، بأنهم أسقطوا من القرآن من جملة ما أسقطوه (وجعلنا علياً صهرك) من سورة ( الشرح )، والتي تشير إلى تخصيص علي بمصاهرة الرسول عليه الصلاة والسلام دون عثمان رضوان الله عليهم أجمعين، وقد جهل هؤلاء أن هذه السورة مكية، وأنها حين نزلت لم يكن علياً صهراً للرسول ﷺ، إذ أن علياً تزوج بالسيدة فاطمة رضي الله عنها، بالمدينة وبعد غزوة بدر، وقد ردد هذه الافتراءات على القرآن الكريم العديد من علماء الشيعة الأمامية وعلى رأسهم حجتهم المشهور، أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ت329 هـ، صاحب كتاب الكافي الذي يعتبر في حجيته لدى الشيعة في مرتبة كتاب البخاري عند أهل السنة، وقد ذكر صاحب تفسير الصافي الشيعي: أن الظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه، أنه كان يعتقد أيضاً في التحريف والنقصان في القرآن لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض بقدح فيها، على أنه ذكر في أول كتابه أنه يثق بما رواه فيه ، وكتاب الكليني هذا ملئ بهذه المزاعم المنحرفة، والتي تهدف في الأساس إلى إثبات إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه والأئمة من بعده، ومن ذلك ما رواه الكليني عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾) عن ولاية علي والأئمة بعده ﴿ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ هكذا نزلت وغير ذلك من الأكاذيب والافتراءات ..
ومن علماء الشيعة الذين رددوا هذه المزاعم والأكاذيب في تحريف القرآن الكريم، علي بن إبراهيم القمى، وهاشم البحراني ونعمة الله الجزائري وقد قام النوري الطبرسي أحد كبار علمائهم المتأخرين المتوفى سنة 1320هـ بتأليف كتاب ضخم في إثبات دعوى تحريف القرآن عند الشيعة، سماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ..
وعلى الرغم من أن الشيعة المعاصرين، أكدوا نفي التحريف عن القرآن زيادة ونقصا، إلا أننا لا نجد أحداً منهم يرد على الكليني رداً صريحاً أو يظهر عدم الثقة به أو يرفض ما ذهب إليه، بل أن البعض حاول بطريقه ملتوية أن يدافع عنه ويجد له المعاذير ، وإن كان هؤلاء القوم صادقين، فعليهم أن يتبرؤوا ممن قال بتحريف القرآن الكريم، وألا يترددوا في تكفير من أنكر كلمة واحدة من القرآن، وأن يبينوا أن جحود البعض، كجحود الكل، لأن ذلك طعن صريح فيما ثبت عن النبي ﷺ بضرورة الدين واتفاق المسلمين أن القرآن الكريم هو الكتاب الإلهي الذي لم يتطرق إليه التحريف والتبديل، وذلك لأن الله تعالى تعهد وتكفل بحفظه ..

رابعاً: عدالة الصحابة ..
قال آية الله تسخيري: “نحن نرفض ذلك، الصحابي بمجرد أنه رأى أو عاش مع الرسول لفترة قصيرة يصبح ويرتقي إلى مرتبة العدالة أو العصمة هذا لا يصح”.
والرد عليه،، أن العدالة لا ترتقي إلى مرتبة العصمة، ومعتقد أهل السنة بأن الصحابة عدول وليسوا بمعصومين .. وآية الله تسخيري، يعرف جيداً أن الشيعة يقفون من أصحاب رسول الله موقف العداوة والبغضاء والحقد والضغينة، ويظهر ذلك من خلال مطاعنهم الكبيرة على الصحابة، التي تزخر بها كتبهم القديمة والحديثة، فمن ذلك اعتقادهم، بكفرهم وردتهم إلا نفراً يسيراً منهم، ويقول محمد باقر المجلسي من علماء الشيعة وعقيدتنا في التبرؤ: أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية، والنساء الأربعة عائشة وحفصة وهند وأم الحكم، ومن جميع أشياعهم وأتباعهم، وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض، وأنه لا يتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرؤ من أعدائهم والأمر يطول في ذكر أقوالهم في الصحابة والطعن فيهم، وهذا بلا شك يعلمه علامة الشيعة آية الله تسخيري، فعقيدتهم في الصحابة فاسدة ومخالفة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله فقد تظافرت الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة على عدالتهم، كقوله تعالى:﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة:143]، ووجه الاستدلال بهذه الآية على عدالة الصحابة رضي الله عنهم، أن وسطاً بمعنى: عدولاً خياراً ..
وقوله تعالى﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾[الفتح:29]، فهذا الوصف الذي وصفهم الله به في كتابه، وهذا الثناء الذي أثنى به عليهم لا يتطرق إلى النفس معه شك في عدالتهم والأدلة في ذلك كثيرة ..
إن أصحاب رسول الله ﷺ جميعهم عدول، تحققت فيهم صفة العدالة والمراد بها رواياتهم للحديث عن رسول الله، وحقيقتها، تجنب تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها، قال العلامة الدهلوي ” ولقد تتبعنا سيرة الصحابة كلهم من دخل منهم في الفتنة والمشاجرات فوجدناهم يعتقدون الكذب على النبي ﷺ أشد الذنوب ويحترزون عنه غاية الاحتراز كما لا يخفى على أهل السير ” ..
قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:100]، ووجه دلالة هذه الآية على عدالتهم رضي الله عنهم ؛ أن الله تعالى أخبر فيها برضاه عنهم ولا يثبت الله رضاه إلا لمن كان أهلاً للرضا، ولا توجد الأهلية لذلك إلا لمن كان من أهل الاستقامة في أموره كلها ؛ عدلاً في دينه ومن أثنى الله تعالى عليه لهذا الثناء كيف لا يكون عدلاً، وإذا كان التعديل يثبت بقول اثنين من الناس فكيف لا تثبت عدالة صفوة الخلق بهذا الثناء العاطر الصادر من رب العالمين ..؟؟

خامساً: الزعم أن قضية السب واللعن جرت في عهد بني أمية
قال آية الله تسخيري: “مع الأسف أن قضية السب واللعن جرت في زمان بني أمية، والإمام علي كان يسب على المنابر في صلوات الجمعة”.
والرد عليه، أن هذه القصة لا أصل لها ولا تثبت من ناحية النقل ولا العقل يا آية الله تسخيري، وأنت الرجل السياسي المحنك كيف تنطلي عليك هذه الأكاذيب والخرافات والروايات الباطلة الموضوعة، وإليك الإجابة بالتفصيل لعل الله يهديك سواء السبيل، أو على الأقل لا تتحدث في وسائل الإعلام بأقوال ليست لها أصول ثابتة تصمد أمام البحث العلمي النزيه ..
لقد اتهم الشيعة بالباطل معاوية رضي الله عنه؛ أنه حمل الناس على سب الإمام علي رضي الله عنه ولعنه فوق منابر المساجد، فهذه الدعوة لا أساس لها من الصحة ولم تثبت قط في رواية صحيحة، ولا يعول على ما جاء في كتب الدميري واليعقوبي وأبي الفرج الأصفهاني، علماً بأن التاريخ الصحيح يؤكد خلاف ما ذكره هؤلاء من احترام وتقدير معاوية لأمير المؤمنين علي وأهل بيته الأطهار، فحكاية لعن علي على منابر بني أمية لا تتفق مع منطق الحوادث، ولا طبيعة المتخاصمين، فإذا رجعنا إلى الكتب التاريخية المعاصرة لبني أمية، فإننا لا نجد فيها ذكراً لشيء من ذلك أبداً، وإنما نجده في كتب المتأخرين الذين كتبوا تاريخهم في عصر بني العباس بقصد أن يسيئوا إلى سمعة بني أمية في نظر الجمهور الإسلامي، وقد كتب ذلك المسعودي في مروج الذهب وغيره من كتاب الشيعة وقد تسربت تلك الأكذوبة إلى كتب تاريخ أهل السنة، ولا يوجد فيها رواية صحيحة صريحة، فهذه دعوة مفتقرة إلى صحة النقل، وسلامة السند من الجرح، والمتن من الاعتراض.. ومعلوم وزن هذه الدعوى عند المحققين والباحثين والمنصفين، ومعاوية منزه عن مثل هذه التهم، بما ثبت من فضله في الدين، وكان محمود السيرة في الأمة، أثنى عليه بعض الصحابة ومدحه خيار التابعين، وشهدوا له بالدين والعلم والعدل والحلم وسائر خصال الخير ، وقد قال عنه علي رضي الله عنه بعد رجوعه من صفين ” أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية ، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل “، قال الذهبي في ترجمته ( أمير المؤمنين ملك الإسلام ومعاوية من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم ) ، وإذا ثبت هذا في حق معاوية، فإنه من أبعد المحال على من كانت هذه سيرته، أن يحمل الناس على لعن علي رضي الله عنه على المنابر وهو من هو في الفضل، وهذا يعني أن أولئك السلف وأهل العلم من بعدهم الذين أثنوا عليه ذلك الثناء البالغ، قد تمالؤا على الظلم والبغي واتفقوا على الضلال ، وهذا من البهتان العظيم على أولئك العلماء من الصحابة والتابعين ومن سار عن نهجهم من العلماء الربانيين، ومن علم سيرة معاوية رضي الله عنه في الملك وما اشتهر به من الحلم والصفح وحسن السياسة للرعية، ظهر له أن ذلك من أكبر الكذب عليه، فقد بلغ معاوية رضي الله عنه في الحلم مضرب الأمثال، وقدوة للأجيال ، فهل يعقل بعد هذا أن يسع حلم معاوية رضي الله عنه سفهاء الناس وعامتهم المجاهرين له بالسب والشتم، وهو أمير المؤمنين، ثم يأمر بعد ذلك بلعن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنابر، ويأمر ولاته بذلك في سائر الأمصار والبلدان، ويبقى هذا السب إلى أن يأتي عمر بن عبد العزيز ليبطله، والحكم في هذا لكل صاحب عقل وفهم ..!!
إن معاوية رضي الله عنه قد انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه، واجتمعت عليه الكلمة ودانت له الأمصار بالملك، فأي نفع له في سب علي..؟ بل إن الحكمة وحسن السياسة تقتضى الامتناع عن ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس، وتسكين الأمور، ومثل هذا لا يخفي على مثل معاوية رضي الله عنه؛ الذي شهدت له الأمة بحسن السياسة والتدبير..
إنه من المعلوم فيما صح من علوم التاريخ؛ أنه قد كان بين معاوية بعد استقلاله بالخلافة وأبناء علي رضوان الله عليهم أجمعين ؛ من الألفة والتقارب ما هو مشهور في كتب التاريخ والسير ، ومن ذلك أن الحسن والحسين وفدا عليه فأجازهما بمائتي ألف وقال لهما: ما أجاز بهما أحد قبلي، فقال له الحسين: ولم تعط أحداً أفضل منا ، ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له: مرحباً وأهلاً يا بن بنت رسول الله، فأمر له بثلاثمائة ألف ، وهذا مما يقطع دابر كذب ما يدعُّى في حق معاوية من حمله الناس على سب علي، إذ كيف يحصل هذا مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة والاحتفاء والتكريم، وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة، وتتجلى الحقيقة ، كما أن ذلك المجتمع في عمومه مقيد بأحكام الشرع حريص على تنفيذها، ولذلك كانوا أبعد الناس عن الطعن واللعن والقول الفاحش البذيء، فعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً:” ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا البذيء” ، وقد نهى رسول الله ﷺ عن سب أموات المشركين ؛ فكيف بمن يسب أولياء الله المصلحين، فعن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً إلى رسول الله ﷺ قال: “لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا” ..

هذه هي الحقائق التاريخية الصحيحة، لا الروايات الموضوعة المكذوبة.. التي لا تثبت عن طريق النقل ولا تنسجم مع محكمات العقل ولا بدهياته..

سادساً: التهوين من أخطار وبرامج الدعوة الشيعية المنظمة
قال آية الله تسخيري: “أنا لا أعتقد أن هناك تخطيطاً وتنظيماً ولا عملية التبليغ الشيعي أو التبليغ السني لأن هناك تبليغ مقابل من الطرفين .. إلى أن قال: أما أن يكون هناك تبليغ منظم فالأمر أراه كما قلت فيه إثارة وتكبير أكثر من اللازم”.
والرد عليه،، يكفي أن نعلم أن الشيخ يوسف القرضاوي -وهو من أكبر دعاة التقريب في هذا العصر- أنه قد استشعر خطر الدعوة الشيعية وطالبها بالتوقف في مواطن السنة، وهجوم الشيعة، حكومة وعلماء وعامة على الشيخ القرضاوي أصبح معروفاً ومشهوراً على مواقع الإنترنت، كما أن الشيخ سلمان العودة حذر أكثر من مرة من الاختراق الشيعي في المجتمعات السنية ..
إنني أدعو إلى ضرورة الانتباه والتنبيه إلى خطورة هذه الدعوات، وأن نزيح غشاوة الجهل التي تجثم على بصائر الجمهور العريض من أهل السنة؛ فدعوة الشيعة لا تنجح إلا حيثما يخيم الجهل وتندرس علوم الإسلام الصحيح، أما كون الدعوة الشيعة منظمة ومدروسة وممنهجة وممولة، فهذا لا ينكره إلا جاهل أو من لا عقل له أو متغافل صاحب هوى..
إن الذي قد حدث من الاستيلاء على العراق بالتعاون مع الأمريكان، والعمل على تشييع المجتمع العراقي ودعم أحزابه الشيعية من قبل دولة إيران عسكرياً وسياسيأ وثقافياً؛ ليؤكد بأن القوم يتحركون بخطط وبرامج وسياسات منظمة.. وممنهجة..
وإن اهتمام الثورة الإيرانية منذ بدايتها بحزب الله في لبنان وتنظيم الشيعة هناك ودعمهم سياسياً ومالياً وأمنياً وعسكرياً، وجعلهم جزءً من المشروع الإيراني الكبير؛ لهو خير دليل وبرهان على وجود الخطط والبرامج والسياسات.. كما أن ما يقوم به حزب الله من الدعاية السياسية والثقافية في أوساط العرب، لا يمكن أن يفهم خارج هذا السياق والانطباع..؟؟!
كما أن الاهتمام بالدعوة في أفريقيا وفتح جامعات شيعية في غانا، والإتيان بالأفارقة إلى الحج، وفي وسط كل مجموعة مرشد إيراني أو عراقي، وجلب الأفارقة إلى المؤسسات الشيعية في إيران ثم تعليمها المذهب الشيعى ودعمهم إلى أن يصلوا إلى الحكم كما حصل في جزر القمر.. هل هذا عشوائي.. أم أنه ضمن خطة وبرنامج ومنهاج..
إن الاهتمام الشديد بمصر، والحرص على إعادتها إلى التشييع والتطلع إلى الشمال الأفريقي، واعتبار ليبيا وتونس أراضي خصبة مستباحة للدعوة الشيعية، ولا توجد مقاومة ثقافية تذكر حسب دراساتكم واهتماماتكم، هل هذا مبرمج ومنظم أم ماذا..؟؟
إنني أتوجه باللوم لبني قومي وديني؛ كيف تكون الحقائق واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، فيغضون الطرف عنها، ويستجيبون للدعاية الإيرانية الشيعية التي تسعى لتخدير الأمة وتهوينها والعمل على تشييعها ..؟؟
وكما هو معلوم،، فإن آية الله تسخيرى، يعتبر من أكبر قادة الدعاية الإيرانية الشيعية الإعلامية، وهو صاحب الإبر المسكنة والمخدرة للكثير من رموز أهل السنة في العقود الماضية، والتي لا يزال مفعولها سارياً حتى كتابة هذه الأسطر والكلمات، ولا ندري بالضبط الحجم والأثر الحقيقي لما نفثه من سموم فاتكة، وما تركه من خدر في عضد أبناء ليبيا الحبيبة، وما قد أفلح في تمريره أثناء لقاءاته وحواراته .. وكلماته .. ؟؟!!

سابعاً: الأقلية السنية في إيران
قال آية الله تسخيري: “إن أهل السنة شاركوا مع أنهم أقلية في بناء الثورة؛ وشاركوا في مناحي الحياة ولهم بشكل كامل حقوق المواطنة وحقوق الأخوة وهي أكثر من المواطنة في كل المجالات”.
والرد عليه أقول،، لقد كانت أغلبية إقليم إيران سنية حتى جاءت الدولة الصفوية، والتي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي، ففرض التشيع الإثنى عشري على الإيرانيين قسراً، بعد أن جعله المذهب الرسمي للدولة، وكان إسماعيل هذا، قاسياً جباراً متعطشاً للدماء إلى حد لا يكاد يصدق ، ويشيع عن نفسه أنه معصوم، وليس بينه وبين المهدي فاصل، وأنه لا يتحرك إلا بمقتضى أوامر الأئمة الاثنى عشر ، ولقد تقلد سيفه وأعمله في أهل السنة، وكان يتخذ سب الخلفاء الثلاثة ( أبو بكر وعمر وعثمان) لامتحان الإيرانيين، وقد أمر الشاه أن يعلن السب في الشوارع، والأسواق وعلى المنابر منذراً المعاندين بقطع رقابهم، وكان إذا فتح مدينة أرغم أهلها على اعتناق التشيع بقوة السلاح ..
ولقد آزر شيوخ الشيعة سلاطين الصفويين في الأخذ بالتشيع إلى مراحل من الغلو، وفرض ذلك على مسلمي إيران بالقوة والنار وكان من أبرز هؤلاء الشيوخ شيخهم على الكركي ، الذي يلقبه الشيعة بالمحقق الثاني، والذي قربه الشاه ظهماسب ابن الشاه اسماعيل، وجعله الآمر الناهي المطاع في الدولة، وكذلك كان من شيوخ الدولة الصفوية المجلسى، والذي شارك السلطة في التأثير على المسلمين في إيران والعمل على تغييرهم إلى المذهب الشيعي الإمامي بالقوة والترهيب، وتهجير علماء أهل السنة وقتلهم وسفك دمائهم، ولا ننسى الجانب الآخر من أثر الدولة الصفوية، وذلك في حروبها لدولة الخلافة الإسلامية العثمانية، وتعاونها مع الأعداء من البرتغال ثم الإنجليز ضد دولة المسلمين وتشجيعهم لبناء الكنائس ودخول المبشرين والقسس، مع محاربتهم للسنة وأهلها .. فهذا الذي جعل نسبة السنة 35% في إيران، بعد أن كانوا الأغلبية الكاثرة .. إنه ذات المخطط الصفوي الذي ينفذ اليوم على سنة العراق، ولكن لا حياة لمن تنادي، إن الذي فعلته الثورة في أهل السنة بإيران، مشهور مقطوع به متواتر .. فهذا الشيخ محمد سعيد بانو، كتب تقريراً عن تسعة أيام قضاها في إيران عام 1982م، جاء فيه عن أوضاع أهل السنة ما يلخص الموضوع في النقاط الآتية:
– قلة ممثليهم في البرلمان، فلهم أربعة عشر مقعداً من 270 مقعداً بنسبة 5%، وليس من بينهم وزراء أو نواب وزراء.
– العمل في القضاء وفق المذهب الشيعي..
– الكبت، فأبرز علمائهم ومنهم أحمد مفتي زادة، مع حوالي ألفين مفكر سني يعيشون داخل السجون.
– عدم وجود مساجد للسنة في طهران، مع السماح ببناء معابد لأتباع الديانات الأخرى .
– الدعوة ضد المذهب السني في وسائل الإعلام، فالشيعة يكرهون الصحابة وخاصة الخلفاء الثلاثة الأول.
– النظام التعليمي متحيز للمذهب الشيعي.
– التمييز في التعامل، حيث يجد السنة صعوبة في الحصول على عمل بعكس الشيعة ، هذا قليل من كثير وغيض من فيض.

ثامناً: تعريف الشيعي عند التسخيري
قال آية الله تسخيري: “الشيعي هو الذي يتبع ما وصل إليه من أهل البيت، يؤمن بأن النبي أوصى من بعده لأهل البيت عن طريق حديث الثقلين ” إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ” برواية الترمذي، وعن طريق (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)، له أدلته يؤمن بأن الرسول العظيم أوصى بالتمسك بأهل بيته، فما قاله أهل البيت هو يشكل كل التراث الشيعي، أما السني فيؤمن أيضاً بالرسول ولكن لا يؤمن بالوصية، ولكن يؤمن بأن انتخاب المسلمين بعد الرسول هو الذي يجب أن يتحقق، جيد، هذا اختلاف اجتهادي، هذا يرى بالوصية وهذا لا يرى بالوصية، هذا في أصل المسألة”.
والرد عليه هو أن من أهم عقائد الشيعة (مسألة الإمامة، وأنها جاءت بالوصية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله عز وجل على لسان رسولهﷺ، وأنها لطف من الله عز وجل، ولا يجب أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى، وليس للبشر حق اختيار الإمام وتعيينه، بل وليس للإمام نفسه حق تعيين من يأتي بعده، وقد وضعوا على لسان أئمتهم عشرات الروايات في ذلك، منها ما نسبوه إلى الإمام الباقر رحمه الله: أنه قال: أترون أن هذا الأمر إلينا نجعله حيث نشاء؟ لا والله ما هو إلا عهد من رسول الله، رجل فرجل، مسمى حتى تنتهي إلى صاحبها، ويعتقد الشيعة الإثنا عشرية: أن الرسول ﷺ قد نص على الأئمة من بعده، وعينهم بأسمائهم، وهم اثنا عشر إماماً لا ينقصون ولا يزيدون)..
إن من أخطر الأمور التي ابتدعها الشيعة الروافض أمر الوصية؛ وقد ترتب على هذا الأصل أن الذين سبقوا الإمام عليا رضي الله عنه في سلم الخلافة؛ مغتصبون لحقه كما جاء في كتاب الكافي ” من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية وكان رسول الله وكان عليا عليه السلام ” .
إن استقراء تاريخ الخلفاء الراشدين، لا يجد للوصية ذكراً في خلافة أبي بكر، ولا في خلافة عمر رضي الله عنهما، وإنما نجد بداية ظهورها في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان رضي الله عنه، عند بزوغ قرن الفتنة، وقد استنكر الصحابة هذا القول عندما وصل الى أسماعهم، وبينوا بطلانه وكذبه، ومن أشهر هؤلاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه والأدلة في ذلك كثيرة ومشهورة، ذكرتها في كتابي أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن هذه الأدلة، عن عمرو بن سفيان قال: لما ظهر علي يوم الجمل قال: أيها الناس: إن رسول الله ﷺ لم يعهد إلينا من هذه الإمارة شيئاً، حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله .. أما حصر الأئمة بعدد محدد، فهذه عقيدة فاسدة باطلة، أمير المؤمنين علي وأولاده وأحفاده براء منها في كتب الشيعة المعتمدة كنهج البلاغة، عن علي رضي الله عنه قال: دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول ، وإن الآفاق قد أغامت ، والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت لكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم منى أميراً .. فلو كانت إمامة علي منصوصاً عليها من الله عز وجل كما يزعم هؤلاء ؛ لما جاز لعلي بن أبي طالب تحت أي ظرف من الظروف أن يقول للناس دعوني والتمسوا غيري، ويقول: أنا لكم وزيراً خير مني أميراً، كيف والناس تريده وجاءت تبايعه ، ويقول في نهج البلاغة كلاماً أكثر صراحة وأشد وضوحاً حين يقول، أنه بايعني القوم الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان وعلى ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على إتباعه غير سبيل المؤمنين و ولاه الله ما تولى ..
إن مسألة الوصية لا تثبت بأي وجه من الوجوه، ومسألة حصر الأئمة بعدد معين مردودة بالكتاب والسنة، كما أنه لا يقبلها العقل والمنطق والواقع، إذ بعد انتهاء العدد المعين هل تظل الأمة بدون إمام ؟؟، ولذلك فإن عصر الأئمة الظاهرين عند الإثني عشرية لا يتعدى قرنين ونصف إلا قليلاً، وقد اضطر الشيعة للخروج عن حصر الأئمة بمسألة نيابة المجتهد عن الإمام، واختلف قولهم في حدود النيابة ، وفي هذا العصر اضطروا للخروج نهائيا عن هذا الأصل الذي هو قاعدة دينهم، فجعلوا رئاسة الدولة تتم عن طريق الانتخاب، ولكنهم خرجوا عن حصر العدد إلى حصر النوع، فقصروا رئاسة الدولة على الفقيه الشيعي .. وقالوا بنظرية ولاية الفقيه!!.
أما الحديث الذي استدل به آية الله تسخيري في قوله ﷺ: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي”، وهذا الحديث رواه الترمزي، كتاب المناقب رقم 3786، فإن فيه الأنماطي والحديث له أكثر من طريق لا يخلو كل طريق من كلام مع اختلاف المتون..

وأما الثابت عن رسول الله ﷺ عند مسلم في صحيحه أن الأمر كان بالتمسك بكتاب الله، والوصية بأهل البيت فأوصى بكتاب الله، وحث على التمسك به ثم قال: “وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي”، أذكركم الله في أهل بيتي؛ فالذي أمر بالتمسك به كتاب الله وأما أهل بيت رسول الله فأمر برعايتهم وإعطائهم حقوقهم التي أعطاها الله تبارك وتعالى إياها ..
أما تفصيل الرد في حديث الثقلين الذي استدل به التسخيري.. فهو من عدة وجوه:
1- أن عترة الرجل أهل بيته، وعترة النبي ﷺ هم كل من حرمت عليه الزكاة وهم بنو هاشم، هؤلاء هم عترة النبي ﷺ، فالشيعة ليس لهم أسانيد إلى الرسول ﷺ وهم يقرون بأنه ليس عندهم أسانيد في نقل كتبهم ومروياتهم، وإنما هي كتب وجدوها وقالوا ارووها فإنها حق وأما أسانيدهم، كما يقول الحر العاملي وغيره من أئمة الشيعة، إنه ليس عند الشيعة أسانيد أصلاً ولا يعولون على الأسانيد ، فأين لهم ما يروونه في كتبهم عن عترة النبي ﷺ؟ بل أهل السنة هم أتباع عترة النبي ﷺ وأعطوهم حقهم، ولم يزيدوا ولم ينقصوا كما قال النبي ﷺ في حق نفسه: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا: عبد الله ورسوله ..
2- إمام العترة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبعده يأتي في العلم عبد الله بن عباس الذي هو حبر الأمة، وكان يقول بإمامة أبي بكر وعمر قبل علي رضي الله عنهم، بل إن علي بن أبي طالب قد ثبت عنه بالتواتر أنه قال: أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ: أبوبكر وعمر .. فعلي يقر بفضل الشيخين وهو إمام العترة ..
3- هذا الحديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنتي ، وقال النبي ﷺ: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ” ، فأمر بالعض عليها بالنواجذ، وقال صلى الله عليه وسلم: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، وقال: اهتدوا بهدي عمار وتمسكوا بعهد ابن مسعود ولم يدل هذا على الإمامة أبداً، وإنما دل على أن أولئك على هدي الرسول ﷺ، كما أن عترة الرسول ﷺ لا تجتمع على ضلالة أبدا ..
4- أن الشيعة يطعنون في العباس عم الرسول ﷺ، ويطعنون في عبد الله ابنه ويطعنون في أولاد الحسن وقالوا: أنهم يحسدون أولاد الحسين ويطعنون كذلك في أبناء الحسين نفسه من غير الأئمة الذين يدعونهم كزيد بن علي، وكذلك إبراهيم أخي الحسن العسكري، وغيرهم فهم ليسوا بأولياء للنبي ﷺ وعترته المباركة، بل أولياء النبي وعترته هم الذين مدحوهم وأثنوا عليهم وأعطوهم حقهم ولم ينقصوهم، وأما قول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ فإذهاب الرجس لا يعنى في اللغة العربية ولا في لغة القرآن معنى العصمة فالرجس هو الشيء القذر قال تعالى: ﴿رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾، والرجس النتن وقيل العذاب، وبالجملة لفظ الرجس أصله القذر يطلق ويراد به الشرك كقوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج:30]، ويطلق ويراد به الخبائث المحرمة كالمطعومات والمشروبات، ولم يثبت أن استخدم القرآن لفظ الرجس بمعنى مطلق الذنب بحيث يكون في إذهاب الرجس عن أحد إثبات لعصمته وكلمة التطهير لا تعني العصمة، فإن الله عز وجل يريد تطهير كل المؤمنين وليس أهل البيت فقط، وإن كان أهل البيت هم أولى الناس وأحقهم بالتطهير، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم عن صحابة رسوله: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) [المائدة: 6]، وقال عز وجل: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: 103]، فكما أخبر الله عز وجل بأنه يريد تطهير أهل البيت، فقد أخبر كذلك بأنه يريد تطهير المؤمنين، فإن كان في إرادة التطهير وقوع للعصمة لحصل هذا للصحابة، ولعموم المؤمنين الذي نصت الآيات على إرادة الله عز وجل تطهيرهم، وقد قال الله عن رواد مسجد قباء من الصحابة: ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: 108]، ولم يكن هؤلاء معصومين من الذنوب بالإنفاق، وقال تعالى عن أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ [الأنفال: 11]، ولم يكن في هذا إثبات لعصمتهم، مع أنه لا فرق يذكر في الألفاظ بين قول الله تعالى عن أهل البيت: ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ وبين قوله في أهل بدر:

﴿وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾، فالرجز والرجس متقاربان، ويطهركم في الآيتين واحد، لكن الهوى هو الذي جعل من الآية الأولى دليلاً على العصمة دون الأخرى، والعجيب في علماء الشيعة أنهم يتمسكون بالآية ويصرفونها إلى أصحاب الكساء، ثم يصرفون معناها من إرادة التطهير إلى إثبات عصمة أصحاب الكساء، ثم يتناسون في الوقت نفسه آيات أخرى نزلت في إرادة الله عز وجل لتطهير الصحابة، بل هم في المقابل يقدحون فيهم، ويقولون بانقلابهم على أعقابهم مع أن الله عز وجل نص على إرادة تطهيرهم بنص الآية، وقد فصلت الحديث في أية التطهير وحديث الكساء في كتابي أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ..
تاسعاً: السنة عند الشيعة
قال أية الله تسخيري الشيعة والسنة كلاهما يؤمنان بسنة رسول الله وقال: “وأنا لا أرى اختلافاً في الأصل بين الشيعة والسنة حول سنة رسول الله أبداً”.
والرد عليه،، إن آية الله تسخيري يعرف الخلاف جيداً، ولكنه إدمان اللف والدوران، وهي ذات إبر التخدير التي كان يستخدمها مع رموز أهل السنة عقوداً من الزمن، والتي تطورت مع المؤسسة التي تُسمى المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، والتي قد جعلت منه زئبقياً في أقواله بامتياز !!.
إن نظرة الشيعة للسنة النبوية المطهرة مرتبطة بنظرتهم في الإمامة، فقد قاموا بتكفير معظم الصحابة رضي الله عنهم، وهذا التكفير الشنيع ترتب عليه إنكار الشيعة لكل الأحاديث والمرويات التي وردت عن طريق الصحابة، ولم يقبلوا إلا الأحاديث الواردة عن طريق الأئمة من أهل البيت، أو ممن نسبوهم إلى التشيع كسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، وأبو ذر، والمقداد بن الأسود وقد شنوا هجوماً عنيفا على رواة الحديث كأبي هريرة وسمرة بن جندب وغيرهم واتهموهم بالوضع والتزوير والكذب، واعتبر الإمام عبد القاهر البغدادي الشيعة من المنكرين للسنة لرفضهم قبول مرويات صحابة رسول الهدى عليه الصلاة والسلام ..
والخلاصة،، فإن الدارس لنصوص الشيعة ورواياتهم، ينتهي إلى الحكم بأن معظم رواياتهم وأقوالهم تتجه اتجاها مجانفاً للسنة التي يعرفها المسلمون، في الفهم والتطبيق، وفي الأسانيد والمتون..

عاشراً: الدولة الفاطمية
قال آية الله تسخيري: “الدولة الفاطمية تمتعت بخصائص ولها نقائص لاريب، لكن من خصائصها المعروفة أنها انفتحت على كل المذاهب وقدمت الأزهر لكل المذاهب لتدرس فيها آراءها، يعني كانت فيها حرية الرأي والعقلانية الإسلامية المطلوبة وانفتاح الجميع على الجميع”.
والرد عليه،، إن الحقائق التاريخية تؤكد لنا أن الدولة الفاطمية الإسماعيلية الشيعية، لم تكن دولة فكر ولا انفتاح على الآخرين، بل هي دولة متعصبة، اعتنقت المذهب الشيعي الإسماعيلي وارتكبت جرائم منكرة، منها غلو بعض دعاتهم في عبيد الله المهدي وزعموا أنه يعلم الغيب، وأنه نبي مرسل ومن جرائمهم، التسلط والجور وإعدام كل من يخالف مذهبهم، فقد نفذوا حكم الإعدام في أربعة آلاف رجل مرةً واحدةً ما بين عالم وعابد ورجل صالح ، وكانوا يقتلون علماء أهل السنة ويمثل بهم في شوارع القيروان بتونس، وحرمت الدولة الفاطمية الإفتاء على مذهب الإمام مالك، واعتبروا ذلك جريمة يعاقب عليها بالسجن والقتل والضرب، ويدار بالمقتول في أسواق القيروان وينادى عليه: هذا جزاء من يذهب مذهب مالك، ولم يبيحوا الفتوى إلا لمن كان على مذهبهم ، وأبطلوا السنن المتواترة والمشهورة عن رسول الله، كإسقاط صلاة التراويح، وزادوا حي على خير العمل في الآذان، ومن لم يقل في الآذان ذلك قطع لسانه ووضع بين عينيه وطيف به في القيروان ثم قتل، ومنعوا التجمعات خوفاً من الثورة والخروج عليهم، وأتلفوا مصنفات أهل السنة، ومنعوا علماء أهل السنة من التدريس ودخلوا بخيولهم مساجد أهل السنة وأزالوا آثار حكام أهل السنة السابقين ، وقام المغاربة وأهالي الشمال الأفريقي بمواجهة الدولة الفاطمية بالمقاومة السليمة والجدلية والمسلحة وبالتأليف والشعر حتى اضطرت الى الانتقال إلى مصر، ولم تستقر لها الأمور في الشمال الأفريقي، بل تتالت الثورات والصدامات، ورفض أهالي الشمال الأفريقي السنيون عقيدة الدولة الفاطمية الباطنية الخبيثة؛ جملة وتفصيلاً واعتبروها لا علاقة لها بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ..
لقد استطاع القائد الأمير المعز بن باديس الصنهاجي الأمازيغي السني؛ القضاء على بقايا الدولة الفاطمية في الشمال الأفريقي، بعد ملحمة كبيرة يعرفها المؤرخون المنصفون، وبعد أن انتقلت إلى مصر وبنوا الأزهر وجعلوه مقراً، لتربية الدعاة وتعليمهم المذهب الشيعي الإسماعيلي، وأعدوا دعاة الدولة الفاطمية وأرسلوهم إلى المشارق والمغارب لتشييع العالم الاسلامي، وحاربت المذاهب السنية بكل انواعها..

إن ادعاء أن الدولة الفاطمية قد انفتحت على كل المذاهب؛ هو محض كذب وافتراء على الحقيقة والتاريخ .. حيث لم يحدث شيء من كل ذلك إلا في أواخر عهدها، وبعد ضعف قوتها، نتيجةً للعلاقات بين الدولة النورية والدولة الفاطمية؛ فقد ترتب شيء من الانفتاح النسبي المشوب بالضعف والتفلت والاستخذاء.
هذا،، ولي كتابان عن هذه الدولة الغابرة ..
الأول بعنوان: الدولة الفاطمية في الشمال الأفريقي
والثاني بعنوان: صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس
وقد ذكرت فيهما الكثير من التفاصيل والحقائق التاريخية، التي لا يمكننا سردها وبيانها في هذه العجالة، وهي موجودة على مواقع الإنترنت لمن أراد التوسع والاستفادة منها ..

الحادي عشر: العلماء الإيرانيون والفكر السني
قال آية الله تسخيري: “الذي أنقذ الفكر السني آنذاك هم العلماء الإيرانيون، يعني الإمام الغزالي والإمام الجويني.. دعمت الفكر السني بكل قوة وأعطته قدرة واستمرارا أكبر على الثبات، إذن لا نستطيع أن ننسب مذهباً إلى عنصر، نقول التشيع فارسي والتسنن عربي، هذا كلام غير صحيح”.
والرد عليه،، أن الذين ذكرهم من كون علماء إيران كالغزالي والجويني ودورهم في دعم الفكر السني هذا صحيح، ولكنهم كانوا ضمن منظومة المشروع السني الكبير الذي أشرفت عليه دولة السلاجقة المناهضة للبوهيين والفاطميين، وعلى الرغم من كون السلاجقة في الأصل أتراك، إلا أنه قد انضوى تحت ألوية مشروعهم السني أشراف أهل البيت، كعبد القادر الجيلاني، والعرب الأقحاح، كالوزير بن هبيرة الشيباني، والأكراد فيما بعد كنجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه وصلاح الدين، وغيرهم من الأفارقة والأمازيغ في العالم الإسلامي الفسيح، وإذ كانت الدولة الفاطمية في ذلك العصر قد بسطت نفوذ التشيع من الشمال الأفريقي غرباً إلى بلاد الفرس والعرب شرقاً ؛ فإن السلاجقة قد قاموا بحماية العراق وبلاد الشام من التشيع، وقاموا بإنشاء المدارس النظامية، التي كان يدرس بها الغزالي والجويني، فقامت بدور عظيم في الإحياء السني وتقليص المد الشيعي، وإعداد الكوادر اللازمة لقيادة حركة المقاومة ضد خطوط الغزاة الصليبيين الوافدة من الخارج، والاختراق الباطني الرافضي الشيعي القادم من الداخل .. لقد تم نضج هذا المشروع في عهد نور الدين محمود الشهيد التركماني الأصل، صاحب المشروع السياسي والعسكري والفكري والثقافي المحرر على أصول أهل السنة، والذي تم على يد أحد ضباطه الأبطال وهو السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي الكردي، الذي تم على يديه إلغاء كيان الدولة الفاطمية، وفق الرؤية الإستراتيجية التي وضعها القاضي الفاضل بالتعاون مع القيادة النورية، فكانت لجهود علماء أهل السنة ومنهم الإيرانيون، كبير الأثر في بلورة مشروع أهل السنة الذي تصدى للمشاريع الغازية والمخترقة في ذلك الزمان، الصليبيون والفاطميون والمغوليون ؛ سواء بسواء!!..
الثاني عشر: التقية عند آية الله تسخيري
قال التسخيري: “المداراة نوع من التقية، عدم طرح كل الأفكار أمام ظالم جبار قاتل هو نوع من التقية”.
والرد عليه،، يقول يوسف البحراني (وهو أحد كبار علمائهم في القرن الثاني عشر): المراد بها إظهار موافقة أهل الخلاف فيما يدينون به خوفاً ، وأما مكانها عند الشيعة، فهي تحتل منزلة عظيمة ومكانة رفيعة دلت عليها روايات عديدة جاءت في أمهات الكتب عندهم، فقد روى الكليني وغيره عن جعفر الصادق أنه قال: التقية من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقية له ..

وأما سبب هذا الغلو في أمر التقية، فيعود الى عدة أمور منها:
1- أن الشيعة تعد إمامة الخلفاء الثلاثة باطلة: وهم ومن بايعهم في عداد الكفار، مع أن علياً رضي الله عنه بايعهم وصلى خلفهم، وجاهد معهم، وزوج عمر ابنته أم كلثوم، وتسرى من جهاده مع أبي بكر، ولما ولي الخلافة سار علي نهجهم ولم يغير شيئا مما فعله أبو بكر وعمر، كما تعترف بذلك كتب الشيعة نفسها، وهذا يبطل مذهب الشيعة من أساسه، فحاولوا الخروج من هذا التناقض المحيط بهم بالقول بالتقية ، واستخدموا مبدأ التقية لتفسير أحداث تاريخهم فذهبوا إلى أن سكوت علي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعاً كان تقية، وتنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية كان تقية، واختفاء أئمتهم وسترهم كان تقية منهم، وهكذا يمكن تفسير كل الأحداث التي تناقض عقيدتهم بالتقية ..
2- أنهم قالوا بعصمة الأئمة، وأنهم لا يسهون ولا يخطئون ولا ينسون، وهذه الدعوى خلاف ما هو معلوم من حالهم، وحتى أن روايات الشيعية نفسها المنسوبة إلى الأئمة مختلفة متناقصة حتى لا يوجد خبر منها إلا وبإزائه ما يناقضه كما اعترف بذلك شيخهم الطوسي ، وهذا ينقض مبدأ العصمة من أصله، فقالوا بالتقية لتبرير هذا التناقض والاختلاف والتستر على كذبهم على الأئمة ..
ثم أما بعد،، فقد كان غرضي من هذا البيان والتوضيح ورد الشبهات والذود عن حياض أمة الإسلام ؛ هو أن يتعرف الجمهور العريض من أهل السنة في بلدي وغيرها إلى حقيقة أغراض وأوهام وأباطيل هؤلاء القوم، فمشروع التشيع الإيراني له خططه وبرامجه، ووجوده وآثاره بين الشعوب في أفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتين وفي الدول العربية، ولهم أغراض وأهداف، ووسائل وبرامج وخطط.. ومآرب أخرى الله أعلم بشرها..
إن دعاة التشيع نشطون في دعوتهم ويبذلون جهدهم وكل غالي ونفيس ؛ فمن حق المسلمين علينا أن نبين لهم أن القرآن الكريم والسنة المطهرة، مرجع كل مسلم في تعريف أحكام الاسلام، وأن يفهم القرآن الكريم طبقاً لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات ، وأن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم ﷺ، وكل ما جاء عن السلف رضي الله عنهم موافقاً للكتاب والسنة قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع ، وأن مفردات وأدواء المشروع الشيعي العقائدية والفكرية والثقافية والتاريخية، يندرج الكثير منها ضمن قائمة الأهواء والأباطيل البعيدة عن كتاب الله وسنة رسوله الكريم ..
وأختم هذه المحاورة بقول الشاعر:
واحذر مجادلة الرجال فـــإنها
تدعو إلى الشحناء والشنآن

وإذا اضطررت إلى الجدال ولم تجد
لك مهرباَ وتلاقت الصفان

فاجعل كتاب الله درعاً ســابغاَ
والشرع سيفك وابد في الميدان

والسنة البيضاء دونك جــنة
واركب جواد العزم في الجولان

واثبت بصبرك تحت ألوية الهدى
فالصبر أوثق عدة الإنسان

واحمل بسيف الصدق حملــة
مخلصٍ متجرداً لله غير جبان

وبقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

المراجع:
1. الاختلاف رحمة أم نقمة، الأمين الحاج محمد أحمد.
2. الانتصار للصحب والآل، للرحيلي.
3. البداية والنهاية، لابن كثير
4. الحسن والحسين، محمد رضا، كلام المحقق د. أحمد أبو الثياب.
5. الحكومة الإسلامية للخوميني، أصول الشيعة.
6. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي.
7. الفكر الشيعي النزعات الصوفية، كامل الشيبي.
8. الكشكول، أصل المطالب، الشيخ البهائي
9. الكفاية للخطيب البغدادي.
10. الوشيعة في نقد عقائد الشيعة ، مسألة التقريب.
11. أحوال أهل السنة في إيران، محمد سرور.
12. أسمى المطالب في سيرة علي بن أبي طالب، للصلابي.
13. أصول الكافي، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني.
14. أصول الشيعة الأمامية، ناصر بن عبد اللّه بن علي القفاري.
15. أضواء على خطوط محب الدين العريضة، عبد الواحد الأنصاري
16. تفسير الصافي، الأمام الصادق لأبي زهرة.
17. ثم أبصرت الحقيقة، محمد الخضر
18. حق اليقين في معرفة اصول الدين، عبد الله شبر.
19. حقبة من التاريخ، عثمان بن محمد الخميس.
20. دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين: الخوارج والشيع، أحمد محمد أحمد جلي.
21. سنن أبي داؤود.
22. سير أعلام النبلاء.
23. صحيح ابن حبان.
24. صحيح البخاري.
25. صلاح الدين الأيوب، علي محمد الصلابي.
26. ظفر الأماني في مختصر الجرجاني للكنوي.
27. عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة، عبد المحسن بن حمد العباد البدر.
28. لمحات اجتماعية من تاريخ العراق، علي الوردي.
29. لنهج المبين لشرح الأصول العشرين.
30. مدرسة الحديث في القيروان من الفتح الإسلامي إلى منتصف القرن الخامس الهجري، الحسين بن محمد شواط.
31. مسألة التقريب.
32. المستدرك على الصحيحين – الحاكم النيسابوري.
33. نهج البلاغة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى