مقالات الرأي

على ضفاف الاستقطاب وأولوية الأعداء والأصدقاء

حسن الدغيم كاتب سوري

لماذا نرى بعض النخب الإسلامية من مفكرين، وصحفيين، وعلماء، يميلون إلى تبجيل الدور الإيراني وحزب الله ومحاولة إقناع الجمهور بأن ما يقومون به هو “جهاد ومقاومة”؟ من المؤكد أن هناك أسبابًا ثقافية عميقة وراء هذا الميلان، وليس الأمر مجرد رغبة في نيل منصب أو كسب المال كما قد يتخيل البعض. فالأمر هنا نتيجة لتنميط ثقافي طويل الأمد، لا يخضع للنقد والتمحيص بين الحين والآخر، بل يتمتع بحماية فكرية صارمة تُمارس الترهيب الفكري والتكفير أو التفسيق لمن يحاول توسيع دائرة النظر.

** أسباب الاستقطاب: قراءة في العقيدة القتالية الإسلامية
عند التعمق في نصوص العقيدة القتالية في القرآن الكريم، نجد أنها تركز على أن غاية الجهاد والقتال في سبيل الله ليست دعوة دينية محضة، وإنما هي درء للحرابة والظلم والفتنة والتعذيب، ونصرة للمستضعفين. كانت هناك فترات في التاريخ اقتضى فيها السياق الزمني مواجهة حكومات تمنع اعتناق الإسلام، مما جعل الجهاد أداة لكسر الحواجز المادية التي تحول دون حرية العقيدة، وليس وسيلة لإجبار الناس على الإسلام.

مع مرور الزمن، تعرضت مفاهيم الجهاد للتنميط، بحيث أصبح يُنظر إلى الجهاد على أنه قتال المسلم للكافر، متجاهلين المقصود الأساسي، وهو درء الظلم والحرابة. حتى الفتنة فُسرت بأنها الشرك، بدلاً من أن تعكس المعنى الحقيقي لها، وهو الضغط على حرية الاختيار الديني.

**الازدواجية في فهم الصراع
في ظل هذا التنميط الثقافي، يُعتبر من الطبيعي أن يعتقد من لا يكفر الشيعة أن الصراع بين “مسلم مهما كان نوعه” و”كافر صريح” مثل إسرائيل هو جهاد في سبيل الله. بهذا المنطق، يرى هؤلاء في المسلم الشيعي الإيراني، أو وكيله العربي، مجاهدًا في سبيل الله لأنه يقاتل عدواً يعتبرونه كافراً.

من ناحية أخرى، هناك من يعتقد أن العقيدة القتالية في الإسلام مرتبطة بتحقيق الأمن والسلام للمسلم وغير المسلم، وليست بغرض التبشير وتكثير أعداد المسلمين. هؤلاء يرون أن الجهاد هو قتال المظلوم للظالم، والحرية للفتنة. وفقًا لهذا المنظور، إذا قام مسلم بمناصرة يهودي مظلوم ضد مسلم ظالم، فإنه يُعتبر شهيدًا، لأنه يدافع عن أمر الله بحماية المظلوم، وليس عن دين اليهودي.

**الأبعاد الثقافية والاستغلال السياسي
ما يفسر افتتان بعض النخب الإسلامية بالدور الإيراني، لاسيما بين “الإخوان” في العالم العربي، هو أنهم لم يذوقوا بطش الإيرانيين بأنفسهم. لذا، يتعاملون مع العدوان الإيراني على أنه “بغي داخلي” من إخوة لهم، بينما يرون العدوان الإسرائيلي على أنه “غزو خارجي”. هذه المقاربة المتسامحة مع إيران هي ما أوقع فيها شخصيات مثل محمود الزهار ومؤيديه داخل حركة حماس، الذين اعتبروا التدخل الإيراني في المنطقة مجرد بغي، في حين يرون الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا صريحًا.

وقد استغلت إيران هذا التفكير لصالحها، ودفعت بمشروعها الاستعماري الإحلالي القومي قدمًا. وهكذا، أصبح “طريق القدس” يُعبَّد بآلاف الجماجم، متذرعين بدعم المقاومة، بينما ينفذون مشروعًا سياسيًا توسعيًا.

**الخاتمة: ضرورة إعادة النظر وتوسيع النقاش
من الضروري اليوم إعادة النظر في هذه المقاربات والتفسيرات، وتوسيع دائرة النقاش حول الأولويات والتحالفات. يجب علينا تجاوز الرهاب الفكري والترهيب الذي يمنعنا من نقد “التنميط الثقافي” الذي يسوّغ لبعض النخب الإسلامية الانحياز لمشروع إيران الإقليمي. فالحديث ليس عن “بغي داخلي” وحسب، بل عن مشروع استعماري يسعى للهيمنة، تحت غطاء ديني زائف.

في النهاية، لا بد من الإشارة إلى أن فهم العقيدة القتالية في الإسلام على أنها تهدف إلى حماية المظلوم ودرء الظلم، سيعيد تشكيل نظرتنا إلى أولويات الأعداء والأصدقاء، ويضعنا أمام تحديات فكرية جديدة تستوجب المواجهة والصراحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى