مركز “مسارات” يقدم دراسة حول السياقات التركية المحتملة تجاه الملف السوري
عُقد اجتماع بتاريخ 3 أيلول الجاري، في مطار غازي عنتاب التركية، بحضور ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات التركية، بالإضافة إلى أعضاء من الائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة، وهيئة التفاوض، ومجلس القبائل والعشائر، وقادة من الجيش الوطني، وقد ناقش الاجتماع غدة قضايا منها فتح “معبر أبو الزندين”
ناقش مركز مسارات في تقريره، السياقات المحلية والإقليمية والخطة الاستراتيجية المستقبلية التركية تجاه الملف السوري وسياقات الانفتاح التركي على نظام الأسد والدوافع الحقيقية لهذا الانفتاح التي خرجت عن هذا الاجتماع.
على الصعيد المحلي:
أشار “مسارات” إلى أن هذا الاجتماع قد أتى في توقيت محلي يشهد توتراً في الداخل واعتصامات في مدينة إعزاز تطالب بإسقاط مؤسسات المعارضة، وترفض فتح معبر أبو الزندين مع نظام الأسد وتعتبر فتح المعبر خطوة نحو التطبيع مع النظام.
على الصعيد الإقليمي:
يأتي هذا الاجتماع مع خطوات متسارعة لتطبيع العلاقات بين حكومة نظام الأسد وتركيا حيث صرح رأس نظام الأسد، أن “الوضع الراهن المتأزم عالمياً وانعكاساته تدفعنا للعمل بشكل أسرع لإصلاح ما يمكن إصلاحه بعيداً عن آلام الجروح من صديق، وبهذا نتعامل مع تركيا”.
وهكذا أسقط نظام الأسد شرط الانسحاب من الشمال السوري لبدء عقد الاجتماعات مع الجانب التركي وهي الكلمة التي قابلها الجانب التركي حيث وصف وزير الدفاع التركي، يشار غولر، تصريحات الأسد بأنها إيجابية للغاية، مشيرًا إلى إمكانية اللقاء بين الرئيس التركي والأسد.
بالإضافة إلى إعادة البحث في تعديل “اتفاقية أضنة” التي سبق أن جرى طرحها في صيغة جديدة للتعاون المشترك لضبط أمن الحدود، قد تكون أيضاً على جدول أعمال المباحثات المرتقبة نهاية الشهر الجاري، وبهذا نستدل أن كل هذه الأجندة تستهدف “قسد” بشكل أساسي.
على الصعيد الدولي:
فإن الخطوات التركية المتلاحقة تجاه نظام الأسد تأتي في توقيت دولي وإقليمي معقد حيث بدأت الحرب على غزة تضع أوزارها، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية بدأت تأخذ منحى تصعيدياً مع خوف إقليمي من انتقال تداعياته إلى سوريا وتوجه الدبلوماسية التركية لإعادة تموضعها في المنطقة على وجه يحفظ مصالحها الاقتصادية والأمنية.
وهناك توقعات تركية للانسحاب الأمريكي المحتمل من شرق الفرات ماسيحدث فراغاً جيواستراتيجياً لا ترغب تركيا وروسيا بأن يتم سده من قبل الميليشيات الإيرانية لذلك هي تحتاج إلى ترتيب شرعية تدخلها لسد الفراغ في هذه المنطقة مع النظام.
ويظهر من ذلك أن التوجهات التركية المستقبلية تجاه الملف السوري هي النتيجة الطبيعة لمسار أستانا الذي تمت هيكلته نهاية عام 2016 بين كل من روسيا وتركيا على إثر خسارة المعارضة السورية لحلب ودخول تركيا إلى الشمال السوري بالتنسيق مع روسيا لمحاربة الإرهاب ومنع تمدد “قسد” من شرق الفرات إلى عفرين.
وهو ما دفع تركيا لإعادة حساباتها واعتبار النظام أخف ضرر من المشروع الانفصالي المدعوم غربياً، ما دفعها لترتيب أولوياتها بعيداً عن مصالح المعارضة التي تعتبر نظام الأسد هو الخطر الأكبر.
ويبدو أن رسم هيكلية المشهد الأمني والعسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشمال السوري من قبل الجانب التركي كان لتهيئة المنطقة لهذه اللحظة التي لم تكشف عنها أنقرة في حينها حتى لا تفقد سيطرتها على المعارضة.
وإن تشريع الوجود العسكري التركي في الشمال السوري من خلال الاتفاق على تعديل اتفاقية أضنة مع نظام الأسد، فتح المعابر التجارية ومحاولة تشبيك المعارضة والنظام بمصالح تجارية واقتصادية تكون مقدمة لفتح مسارات من التعاون الإداري والأمني بين الطرفين تحت الرعاية الروسية والتركية.
وتعزيز حالة التنسيق هذه بين النظام والمعارضة تأتي لفرض حصار اقتصادي خانق ضد ميليشيا قسد في شرق الفرات ومنعها من الاستفادة من الحركة التجارية مع الشمال السوري والمعارضة،
بالإضافة لإجراء تغييرات بنيوية داخل مؤسسات المعارضة الأمنية والعسكرية بحيث تصبح قادرة على احتواء أي حالة احتجاج، قد تنفجر ضد التوجهات التركية في الشمال.
ورغم تلاعب تركيا، من طرف داعم للمعارضة السورية إلى طرف وسيط يقود المبادرات والوساطات بين المعارضة والنظام لدفعهم نحو المزيد من خطوات التنسيق والتعاون، فإنه لا يعني انسحاب تركيا من الشمال السوري لا على المدى القريب ولا البعيد
وذلك بسبب اشتراطها تطهير سوريا من العناصر الإرهابية؛ حفاظاً على سلامة أراضيها ووحدتها، وإنجاز العملية السياسية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وتهيئة الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين.
كما يبدو أن مؤسسات المعارضة ستكون الركيزة الأساسية لتنفيذ التوجهات التركية في المرحلة القادمة، ويبدو أن أنقرة تحاول ربط مصالح المعارضة الاقتصادية بهذا المسار لكي تضمن موقفها وتأييدها للخطوات التي تقوم بها.