44 عاماً على مجزرة سجن تدمر… عندما قتل نظام الأسد مئات السجناء المدنيين
في 27 يونيو/حزيران عام 1980، نفّذ رفعت الأسد شقيق الرئيس السابق حافظ الأسد، واحدة من أبشع المجازر التي ارتُكبت بحق الشعب السوري، إذ حصلت هذه المجزرة بحقّ معتقلين لا حول لهم ولا قوة، أفرغ فيهم غضبه فأودى بحياة أكثر من ألف معتقل سوري في سجن تدمر العسكري بريف محافظة حمص وسط سوريا، ولا أحد حتى اليوم يعرف هويتهم أو عددهم الدقيق أو مكان دفنهم.
في ذلك اليوم الذي ادّعى فيه النظام السوري أن محاولة اغتيال كانت ستُنفَّذ بحق الرئيس السابق حافظ الأسد، يستذكر السوريون هذه المجزرة التي نفّذتها سرايا الدفاع بأمر من رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، رمياً بالرصاص والقنابل اليدوية، وينقل من استطاعوا التخلص من هذا السجن مشاهد مروّعة لطريقة القتل الوحشة، والدماء التي كانت تسيل من تحت أبواب الزنازين.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها: إن “وحدات كوماندوز من سرايا الدفاع تحت قيادة رفعت الأسد، قتلت ما يقدر بنحو 1000 سجين أعزل، غالبيتهم من الإسلاميين، انتقاماً من محاولة اغتيال فاشلة ضدّ حافظ الأسد”، مؤكّدة أنه “لم يُعلَن إطلاقاً عن أسماء الذين قُتلوا”.
ولا تقديرات محددة حول أعداد الضحايا، فهي تتفاوت تبعاً لمصدر المعلومة، ففي حين يشير بعض التقديرات إلى تجاوزها حاجز 600 شخص، تشير تقديرات دولية إلى أن عددهم يزيد على 1000 شخص، ويذكر بعض المصادر الحقوقية أن عدد القتلى يصل إلى 1200 شخص.
ويتهم كثير من السوريين رفعت الأسد بارتكاب عديد من المجازر والجرائم ضد الإنسانية، لا سيما مجرزة سجن تدمر، ولاحقاً ما عُرف بـ”مجارز مدينة حماة” في عام 1982 التي يقول بعض المصادر أنها أودت بحياة أكثر من 40 ألف شخص فيما دُمّر نحو ثلث المدينة.
كان رفعت الأسد قد تَولَّى قيادة قوات “سرايا الدفاع” وما بات يُعرف لاحقاً بالفرقة الرابعة التابعة للقوات الحكومية، وأشرف على ما قال النظام السوري وقتها إنه سحْق لتمرُّد قادته جماعة الإخوان المسلمين في المدينة.
وفي عام 1984 حاول رفعت الذي كان أيضاً نائباً للرئيس، الانقلاب على شقيقه حافظ الأسد للاستيلاء على مقاليد الحكم في سوريا، بيد أن تلك المحاولة باءت بالفشل.
تُعتبر هذه المجزرة علامة فارقة في حكم عائلة الأسد لسوريا، إذ بدأ استخدام القوة المفرطة عبر عشرات الأفرع الأمنية للهيمنة على البلاد.
وأقلع حينها نحو عشر مروحيات من مطار المزة العسكري على متنها عشرات الجنود، وكان الهدف سجن تدمر. وجُمّع عشرات المعتقلين في الباحات وبدأ إطلاق الرصاص وقاذفات اللهب وإلقاء القنابل اليدوية، على ضحايا اتُّهموا بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، لتحدث مجزرة بين المعتقلين.
ولم تُعرَف تفاصيل المجزرة إلا بعد اعتقال الأمن الأردني أحد المشاركين فيها في العام التالي لتنفيذها، إثر محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأردني آنذاك، واتهمت السلطات السورية بتدبيرها.
بعد عشرة أيام من المجزرة سنّ النظام السوري قانوناً يقضي بإعدام كل من يُدان بأي علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، في قانون قالت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إنه ترخيص للقتل، من ثَمَّ توالت أحكام الإعدام الموقعة بيد وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس الذي قال في حديث صحفي إنه كان يوقّع على نحو 150 حكماً بالإعدام أسبوعياً.
نال سجن تدمر سمعة سيئة في جميع المواقع التي ذُكر فيها، وقالت منظمة العفو الدولية في حديثها عن السجن إنه “مصمَّم لإنزال أكبر قدر من المعاناة والإذلال والخوف بالنزلاء”.
ويقع سجن تدمر في مدينة تدمر الصحراوية، بالقرب من آثارها الشهيرة على نحو 200 كلم شمال شرق دمشق، شيّده الفرنسيون وسط الصحراء في ثلاثينيات القرن الماضي، وافتتح رسمياً عام 1966، وهو في الأساس مخصَّص للعسكريين، وتشرف عليه الشرطة العسكرية.
وشنّ النظام حملة اعتقالات في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات طالت آلاف اليساريين والإسلاميين، وأُعدمَ كثير منهم ومات آخرون جراء التعذيب.
وفي مدينة تدمر تتجه الأنظار إلى ذلك السجن الذي بناه الفرنسيون واستخدمه النظام السوري للقتل والتعذيب، بدلاً من المعالم الأثرية التي بنتها زينوبيا ملكة تدمر قبل الميلاد، إذ وُضع ضمن قائمة أخطر سجون العالم.
ووفق موقع “كريمينال جاستيس ديغري هاب”، وُضع سجن تدمر، برفقة “المعسكر 22” في كوريا الشمالية، وسجن كارانديرو في البرازيل، وسجن “رايكرز آيلند” في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي السجون الأبشع في التاريخ الحديث.
ووثّقَت منظمات حقوقية سبع مجازر جماعية في سجن تدمر وقعت خلال أعوام 1980 و1981 و1982، وراح ضحيتها مئات السوريين.
وتقول وثائق متعددة المصادر، إنه وقع على الأقلّ نحو أربع مجازر كبرى في عهد حافظ الأسد ضدّ المعارضين، منها “مجزرة جسر الشغور” و”حصار حلب” و”مجزرة حماة” و”مجزرة سجن تدمر”، وتُقدَّر أعداد ضحاياها بين 10 آلاف و40 ألفاً.