مع تردي الأوضاع المعيشية، في مناطق سيطرة ميليشيا الأسد، ووصول الليرة السورية لأدنى مستوياتها، في تموز/ يونيو الماضي، ومع فشل كل من طالب الحكومة بإصلاحاتٍ اقتصاديةٍ، اجتاحت حالة من الغضب الشعبي، مناطق عدة، ثم تطورت لتشهد حالات إضراب واعتصام ومظاهرات أهمها منطقة السويداء ذات الأغلبية الدرزية.
ورغم تطور الاحتجاجات لتصل إلى المطالبة بـ “الإفراج عن المعتقلين من السجون، والرضوخ للقرار الأممي 2254، الذي يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، وإجراء انتخابات رئاسية برعاية أممية، ومحاكمة النظام على جرائمه التي اقترفها بحق الشعب السوري على مدار 12 عاماً”، وهو ما أكدت عليه ثورة 2011 م.
يظهر الأسلوب الحذر الذي يتعامل فيه النظام السوري مع احتجاجات السويداء وغيرها مؤخرًا، بالمقارنة مع تعامله مع احتجاجات 2011 التي واجهها بالحديد والنار منذ الأيام الأولى على انطلاقها في درعا.
ومع فشل كل محاولات النظام في التوصل لحلول مع المتظاهرين، وقيادة الحراك الدرزي في السويداء، أوضح ناشطون النظام تجنب قمع الاحتجاجات، واكتفى بملاحقة ناشطين في الحراك الأخير بمناطق الساحل والسويداء واعتقالهم، من خلال العمليات الأمنية الخاطفة والسرية فقط.
ويُرجع محللون أسباب حذر النظام بالتعامل بالقوة مع الاحتجاجات الحالية في محافظة السويداء أو محاولة قمعها بالسلاح، لجملة من الأسباب والحسابات المناطقية والمذهبية أهمها:
أنه في حال قيام النظام بقمع الاحتجاجات في السويداء، فلن يقتصر الأمر على اشتعال ما تبقى من سوريا فحسب، ولكن ستطال الأحداث مناطق لبنانية (درزية) وستدخل لبنان على خط الصراع والاحتجاجات، وهذا ليس بصالح النظام ولا لبنان.
كما يخشى النظام، انشقاق عدد من ضباط جيشه العلويين والدروز، بالإضافة إلى أن جيش النظام السوري لم يعد كما كان سابقًا قبل عام 2011، وهو يعاني على جميع الأصعدة من العدد والعتاد والانتشار والقوة العسكرية.
كما أن غياب المقومات والإمكانات الاقتصادية والبشرية التي تمكنه من خوض معركة جديدة ضد الشعب السوري تحت أي حجة، يمنع النظام من ارتكاب أي حماقة أو مواجهة مع المحتجين بالسلاح. كما فعل في 2011، فهو حينها كان بكامل قوته العسكرية والاقتصادية، ونفوذه الكامل على سوريا ومؤسساتها.
ومن أهم الأسباب تلك “الخصوصية” التي تمتلكها السويداء، فهي مثل الجسد الواحد، التي يعتنق أبناؤها مذهبًا واحدًا هو المذهب الدرزي، ويتبعون رموزهم الدينية والشعبية، وهذا يضع النظام أمام تحدٍ كبير، فمجرد مواجهته لأهالي السويداء بقمع الاحتجاجات بالقوة، هذا يعني أنه أصبح بمواجهة فعلية مع طائفة كاملة.
وأكد ذلك تحذيراتٌ لناشطين ورموز شعبية “درزية وعلوية” بالثأر من أي اعتداء يطال المحتجين في الساحات.
فيما يعتبر غياب المكون السني عن المحافظة، والتذرع بملاحقة “الإرهاب، والإخوان، وداعش، والقاعدة” التي طالما ربطها النظام بالمحتجين السنة في بلاده لكسب شرعية دولية في قتلهم، قد أفقد النظام أهم أوراقه في شن هذه الحرب.
ويشار إلى أن احتجاجات السويداء تزامنت مع أصوات معارضة في مناطق الساحل السوري وطرطوس، حيث تم تشكيل ما يسمى “حركة الضباط العلوين الأحرار”، وهو ما يخشاه النظام من فقد أهم طائفتين كان يعتمد عليهما كمكون رئيسي في ضباط جيشه المجرم.
ويذكر أن مناطق سوريةٍ عدة، في مقدمتها محافظتا درعا والسويداء في جنوب البلاد، خرجت في احتجاجات منذ أشهر، ضد نظام بشار الأسد كما تطالب برحيله واعتباره سبب الدمار الذي حل بسوريا.