خلود شيحة تكتب في “داماس بوست”: في اليوم الدولي للتعليم… نداء لكل العالم، التعليم في سوريا أولوية قصوى

سنوات الحرب فاقت العقد من الزمن ومازالت طاحونتها الدائرة تفتك هنا وهناك في بلدنا الحبيب سوريا، الذي تعود حضارته إلى ما يزيد على 3000عام قبل الميلاد. وقد أصبحت الركيزة الأساسية لاستمرار حضارته وديمومتها في خطر ألا وهي الموارد البشرية والتعلم، فكلاهما قد نالت منهما السنوات العجاف ما نالت، فهذه الحرب قد أخرجت العديد من مدارس سوريا عن الخدمة، وفقدت الكثير منها بنيتها التحتية، وتصدعت جدران بعضها الآخر بل وهدّم عن بكرة أبيه بالكامل.
وإن الجهود التي تبذل لاستعادة عافيتها مازالت جهودًا خجولة، لا ترنو إلى المستوى المطلوب اللائق بأهميتها، فما استخلف الإنسان على هذه الأرض إلا بعدما زوده الله عزوجل بسلاح العلم، في سورة البقرة: “وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين”.
وهو ذات السلاح الذي به بدأت رسالة الإسلام تنشر شعاعها على المعمورة “اقرأ باسم ربك الذي خلق” وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أهمية العلم والتعلم، ومن هنا يتوجب على كل فرد منا عدم التهاون بتلك المشكلة قبل أن تصبح داء عضال يفتك بالصغير قبل الكبير.
وإننا إن أطلنا المسير دون أن نبصر هول ما سيحدث لهذا الجيل وما يتبعه من أجيال، وبقينا طائحين عن جادة الصواب – طريق العلم – ستؤول حال بلدنا إلى مالا يحمد عقباه، فما إن نمعن النظر جيدًا بين القرى والمدن والضواحي في كل شبر من شمالنا السوري، سندرك حجم الكارثة، إذ أننا سنجد الآلاف المؤلفة من الأطفال قد خرجوا عن سلك التعليم، وما يزيد عن ذلك لم يمسك بيده قلمًا قط. وسواءً اهتم هؤلاء الأطفال واليافعين أم لم يهتموا بهذا الخطر الجسيم، وإن أدرك ذووهم حجم تلك الكارثة أم لم يدركوا فإن هذا الجيل أمانة في أعناقنا وسنسأل جميعًا- كل حسب موقعه – عما قدم لهم وعما قصر بحقهم، وأي حق بعد حق الحياة يوازي حق التعلم !؟
ها قد تسرب أطفال من المدارس وأصبحوا مجسدين لعمالة الأطفال بأقسى صورها ومعانيها بحثًا عن تأمين ما يسد رمقهم ورمق ذويهم، أو بسبب فقدان عنصر الأمن والأمان للطلاب والمعلمين على حد سواء، فكم من تلميذ وتلميذة ومعلم ومعلمة قد رمت أحقاد الطغاة بسهام الغدر أجسادهم الطاهرة فأدمت جراحهم طريق العلم ومقاعد الدراسة، بل وفارق الحياة بعضهم ذهابًا أوإيابًا لمدرسته، فودعهم أقرانهم وقد رسخّت صورهم في ذاكرتهم رهابًا من سبر هذا الطريق مجددًا، ناهيك عن بعض حالات الخطف التي راح ضحية جشع مرتكبيها عدد من طلاب العلم والقائمين عليه، حيث نجا منهم من نجا وقتل من قتل، والأمثلة على ذلك عاش مأساتها عدد ليس بقليل.
وكذلك فإن تدني المستوى الاقتصادي لدى غالبية الأسر، وسعيهم لتأمين رغيف الخبز جعل تعليم أولادهم بعيدًا كل البعد عن مصاف أولوياتهم، ومع ازدياد عدد النازحين الذين أصبح تعدادهم بالملايين وقد قطن معظمهم في المخيمات جعل مشقة وصول أبنائهم إلى المدارس بالنسبة لهم أمرًا لا يستهان به فقليلة هي المدارس التي بنيت في تجمعات المخيمات، وبالتالي بقيت غالبية المخيمات العشوائية لاحول لهم ولا قوة لإستبصار نور العلم، حتى أن المدارس التي صمدت أمام آلة العدوان ووحشيته، وما شيد بالآونة الأخيرة منها خضع معظمها لآلية عمل لا تتستم بالديمومة من حيث تقديم الدعم اللازم ولو بالحد الأدنى لاستمرار عملها، وعلى وجه الخصوص منها مدراس الحلقة الثانية من التعليم الأساسي، والمدارس الثانوية.
وإن الجهود الجبارة التي قدمها عدد كبير من المعلمين لبقاء أبواب تلك المدارس مفتوحة نقدرها عاليًا مع فائق الاحترام حيث أنهم لم يتقاضوا أي أجر على الساعات الطوال بل الأيام والشهور التي قضوها في أروقة المدراس سعيًا منهم لعدم إغلاقها، وإيمانًا بأهمية التعليم.
إلا أن شر العوز وعدم توفر حاجاتهم الأساسية للعيش قد جعل بعضًا منهم يعيد أدراجه بحثًا عن مصدر للرزق لتأمين قوته وقوت أسرته ولدفع أجر السكن لمن هجر منهم من دياره.
وقد كانت صدورهم تدمع لا أعينهم فحسب، وبالطبع لا عتب فالعين لا تقاوم المخرز هذا لسان حالهم سواء أفصحوا عن ذلك أو بقي حبيس صدورهم.
وفي هذا اليوم الدولي للتعليم أوجه نداء لكل من يؤمن بمبدأ “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” لتشييد صروح للعلم والتعلم، وتأمين كافة احتياجاتها المادية والمعنوية لجعلها تضج بصخب الأطفال واليافعين الذين تتوق روحهم لأقلام تحرك أناملهم، ومقاعد تستقيم نفوسهم عليها قبل أجسادهم، وباحات تطوف أقدامهم في رحابها لتنعش صدروهم بالسعي لنيل درجات العلا، فيرشفون بشهادات تحصيلهم رمق نجاتهم من غيابات الجهل والظلام التي أعمت بصيرتهم لابصرهم محققين بذلك وسام الشرف والكرامة المقدم من منارات العلم.
خلود شيحة – عاملة إدارة حالة في المنتدى السوري