هل اقتربت الحرب العالمية الثالثة؟ الرئيس الروسي يهدد بالحرب النووية
بعد أشهر من التلميح إلى إمكانية تعديل العقيدة النووية الروسية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن تحديث شروط استخدام الأسلحة النووية الروسية. ورغم أن بوتين كان قد أشار إلى هذه التعديلات قبل نحو شهرين، فإن توقيت الإعلان أثار مخاوف متزايدة.
لأول مرة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، استجاب الرئيس الأمريكي جو بايدن لطلبات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المتكررة بالسماح باستخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي.
وفي غضون يومين فقط، أعلن الكرملين تعديل العقيدة النووية الروسية للتكيف مع المستجدات.
في أواخر سبتمبر الماضي، كان بوتين قد أشار إلى أن إدارته تعمل على إدخال تغييرات على العقيدة النووية، لتشمل توسيع الحالات التي تبرر استخدام الأسلحة النووية. ومن بين هذه الحالات، اعتُبر استهداف الأراضي الروسية بصواريخ تقليدية من دولة مدعومة بتحالف مع قوة نووية بمثابة هجوم مشترك. هذا يعني أن إطلاق صواريخ باليستية أمريكية من أوكرانيا نحو الأراضي الروسية سيُفسر كاعتداء منسق بين أوكرانيا والولايات المتحدة، ما يمنح روسيا المبرر لاستخدام السلاح النووي في الرد.
اعتُبر هذا التلويح من موسكو بمثابة محاولة لرسم خط أحمر واضح، لا يجوز للغرب أو أي إدارة أميركية مستقبلية تجاوزه في إطار دعمها لأوكرانيا. ومع ذلك، لم يصمد هذا الخط الأحمر طويلًا في وجه المتغيرات السياسية الأمريكية.
ففي الأشهر الأخيرة، شهدت الحرب الروسية الأوكرانية سلسلة من المنعطفات الحاسمة التي أنهت حالة الجمود والتوازن النسبي التي استمرت قرابة عام. ومن أبرز هذه التطورات، الهجوم البري الذي شنته أوكرانيا في السادس من أغسطس على مقاطعة “كورسك” الروسية، في أول عملية توغل من نوعها داخل الأراضي الروسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
توسعت العملية لاحقًا، حيث تمكنت القوات الأوكرانية من السيطرة على نحو 10 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي الروسية، تشمل ما يقرب من 100 تجمع سكاني، ما مثّل تصعيدًا كبيرًا في مسار الصراع.
وافق بايدن على الخطوة التي عارضها مدة 30 شهر منذ بدء الحرب، وهي السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ من نوع أتاكمز (ATACMS)، وهي صواريخ أرض-أرض موجهة بدقة وبعيدة المدى.
ويُنظر لها باعتبارها أداة فعالة في تدمير المنشآت المدنية والعسكرية ومنظومات الاتصال ومعدات الإطلاق. ويبلغ مداها الأقصى حوالي 300 كيلومتر، وتتجاوز سرعتها 3 ماخات (الماخ يعادل 1225 كيلومترا/ساعة). وبعد إطلاقها، تتخذ مسارًا جويًا مرتفعًا وتسقط بزاوية حادة، ولديها حمولة قادرة على حمل 225 كيلوغرامًا من المتفجرات أو الذخائر العنقودية.
من الناحية العملياتية، فإن ما يصل إلى 14 مطارًا روسيًا ومواقع إطلاق صواريخ اصبحت ضمن نطاق أنظمة الصواريخ الجديدة التي حصلت عليها أوكرانيا. إضافةً إلى ذلك، باتت مفاصل حيوية في خطوط الإمداد الروسية، مثل مناطق تمركز القوات والمعدات والطرق الرئيسية، مهددة بشكل مباشر.
وقد نشر معهد دراسة الحرب الأميركي خريطة تُظهر 225 منشأة عسكرية روسية تقع ضمن مدى صواريخ “أتاكمز”، بما في ذلك مقاطعة كورسك بالكامل.
ومع ذلك، يشير تحليل صادر عن مؤسسة جيوبوليتيكال فيوتشرز إلى أن التأثير الاستراتيجي لهذه الأنظمة يعتمد على عوامل عدة، أبرزها عدد الصواريخ التي تم نشرها وتحديد مواقع الإطلاق بدقة. ورغم أن أوكرانيا تمتلك بالفعل صواريخ قادرة على ضرب أهداف أبعد من مدى “أتاكمز”، إلا أن محدودية إنتاجها تجعل استخدامها مقتصرًا على ضربات دقيقة ومحدودة.
أما روسيا، فهي تمتلك أيضًا القدرة على استهداف أي نقطة داخل أوكرانيا، وقد استغلت هذه القدرة مرات عديدة في السابق. الفارق الحاسم سيكون في حجم الإمدادات الأميركية من صواريخ “أتاكمز”، وهو أمر لا تزال تفاصيله غير معلومة حتى الآن، ما يجعل من الصعب تحديد مدى تأثير هذه الأنظمة على قواعد الاشتباك في الحرب.
مع ذلك، يبدو أن روسيا تنظر إلى هذه المستجدات بجدية كبيرة، خاصة أن الخطوة الأميركية جاءت في وقت حرج بالنسبة لموسكو. فروسيا كانت تستعد لتكثيف هجماتها على منشآت الطاقة الأوكرانية، بهدف تعطيل إنتاج الكهرباء مع دخول الشتاء، مما يجعل من الظروف المناخية القاسية سلاحًا إضافيًا في الحرب.
وفي الوقت نفسه، يُحضِّر حوالي 50 ألف جندي روسي لشن عملية عسكرية واسعة لاستعادة السيطرة على مقاطعة كورسك وطرد القوات الأوكرانية منها. إذا نجحت هذه العملية، فإنها ستحرم أوكرانيا من واحدة من أهم المكاسب الاستراتيجية التي حققتها منذ بداية الحرب، وتجردها من ورقة تفاوضية رئيسية.