التقارير الإخباريةمحلي

نظام الأسد يرفض تسجيل أطفال الحرب من أبناء المعارضة في السجلات الرسمية ويدعوهم بمجهولي النسب بنص القانون

مع انتهاء المعارك في معظم المناطق السورية، خاصة جنوب البلاد، وجدت حكومة نظام الأسد نفسها في مأزق كبير، مع وجود مئات الأطفال غير المُسجلين رسمياً، وذلك بسبب الزيجات التي تمت بوساطة محاكم شرعية وعقود غير قانونية بالنسبة لها في مناطق سيطرة المعارضة، مع غياب الزوج أو مقتله خلال المعارك.

ومن هذه الحالات امرأة تدعى إسراء ذات 21 عاماً، لم تجد خياراً سوى القبول بتسمية ابنها “عبد الله”، بعد أن سُجّل كمجهول النسب، عملاً بالقانون المفروض في سوريا، والذي ينص على تسمية أي شخص مسلم لم يثبت نسبه “عبد الله”، مع عدم وجود عقد زواج أو شهود على تلك الزيجة التي تمت خلال فترة سيطرة المعارضة على الغوطة الشرقية، واعتبار ابنها لقيطاً بموجب القانون.

وتعيش إسراء وولدها ذو الثلاث أعوام على أطراف بلدة سقبا، تنتظر حلاً لمشكلتها، أو ظهور أحد أقارب زوجها الذي قيل أنه قتل في معارك وادي عين ترما 2018، ليتم الاعتراف بالزيجة التي تمت منذ أربع سنوات، تبحث إسراء كثيراً عن زوجته الأخرى لعلها تستطيع إثبات نسب ابنها عبد الله، لأنها لا تريده أن يكون رقماً في سجلات النفوس فقط.

ومن جانب إنساني، نظر بعض أعضاء مجلس الشعب في حكومة الأسد على ذلك الأمر، مطالبين المعنيين بإيجاد حل لتلك الأزمة، وإبعاد الأطفال الذين أنجبتهم الحرب، عن المؤامرات والسياسيات الدولية، إلا أن بعضاً من أعضاء المجلس وصف المُطالبين بذلك الأمر بالدواعش، نظراً لموافقتهم على تسجيل أطفال أُنجبوا بعقود غير مُسجلة لدى الحكومة “الشرعية” بحسب وصفه.

وحيث قال أحد القضاة التابعين لمديرية العدل بريف دمشق، خلال اجتماع  جرى في إحدى محاكم دمشق، ”نحن في وضع خطر يُحتم علينا اتخاذ قرار جريء لتيسير أمور الناس” مُضيفاً ”الحياة مستمرة والأولاد سيكبرون، لماذا لا نجد حلاً يُرضي كافة الأطراف ونكسب الأطفال مواطنين لا لُقطاء ولا مجهولين”

وبجانب حصة المساعدات الغذائية التي وصلت مؤخراً من الهلال الأحمر السوري، تجلس إسراء وصغيرها، لا تستطيع أن تُخفي فرحها بالمساعدة التي وصلتها، بعد أن انقطعت أكثر من شهر عنها، تقول ”بحثت عن زوجي كثيراً، حتى تأكدت من مقتله عبر رفاق السلاح في فيلق الرحمن، الذي كان يعمل في صفوفه، وترددت لأشهر طويلة قبل الذهاب لمحاولة تسجيل الطفل، وخطر على بالي عدة مرات رميه بالقرب من أحد المساجد، فلا طاقة لي على تربيته في مجتمع وبلاد تعتبره لقيطاً نتج عن علاقة غير شرعية”

وبعد تفعيل المحاكم وبعض الدوائر الحكومية في الغوطة الشرقية، لم ينتظر الكثير من القضاة، حلاً جذرياً للموضوع، كنوع من الاجتهاد على القانون، واعتبار الزواج بأوراق ممهورة بأختام المعارضة، كالزواج العرفي، فطلب المُختصون، بتنسيق مع لجان تتبع لمنظمة الأمانة السورية للتنمية، من جميع النساء الراغبات بتثبيت زواجهن بالحضور وإحضار ما لديهم من أوراق، وجرى تثبيت المئات من عقود الزواج، بموجب حضور الزوجين والشهود، أو الأوراق في حال غياب الزوج.

“أعداد الزيجات التي تم تثبيتها بحضور الزوجين أو أحد الأطراف بموجب أوراق وعقود، تُعتبر قليلة جداً مقارنة بأولئك اللواتي لا يعرفن أزواجهن، وتزوجن من مُهاجرين كانوا في الغوطة الشرقية، أو آخرين لم يُصرحوا عن زواجهم وأبقوا أمر سراً، وطبعاً مع غياب الشهود يُصبح الأمر صعباً جداً” يقول أحد القضاة العاملين في الغوطة الشرقية، خلال حديثه مع مراسل صوت العاصمة.

وداخل إحدى غرف المحكمة الشرعية في عربين، والتابعة لحكومة النظام، يُنصت القاضي لقصة فاتنة، ذات الثلاثين عاماً، تستنجد به ليجد حلاً لها ولطفلتها نور التي بلغت من العمر ثلاث سنوات ولم تُسجل رسمياً لدى سجلات الأحوال المدينة.

ولقد حاول القاضي إيجاد حل لفاتنة، بعيداً عن المسؤولية الأمنية، حيث لا عقد زواج ولا شهود ولا حتى اسم حقيقي لزوجها الذي لا تعلم ما إن كان قد خرج إلى ادلب في صفوف مقاتلي المعارضة الذي ينتمي لها، أم أنه قتل في المعارك الأخيرة قبيل سيطرة النظام على الغوطة.

وبعد عجز المحكمة عن حل مشكلة فاتنة، أًحيل ملفها إلى برنامج تنظيم مجهولي النسب، التي تقوم به منظمة الأمانة السورية للتنمية، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، لتسجيل الحالة وإعطاء الطفلة نور رقماً في سجلات مجهولي النسب.

تخرج فاتنة من غرفة تابعة للأمانة السورية باكية، تشد بيدها ابنتها نور، وبيد أخرى ورقة تحمل رقماً رباعياً، كُتب عليها (نور ابنة فاتنة والدها مجهول).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى