لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا تؤكد استمرار أنماط جرائم الحرب مع تفاقم الأزمة الإنسانية
حذرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا من تصاعد حدة القتال على العديد من الخطوط الأمامية في البلاد وسط استمرار أنماط جرائم الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية التي قد تخرج عن السيطرة، فيما يلوح شبح الحرب واسعة النطاق في المنطقة.
وقال رئيس اللجنة “باولو بينيرو”: إن الاشتباكات المباشرة بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” التي يقودها الأكراد من جهة، والقبائل العربية وقوات النظام والميليشيات المدعومة من إيران من جهة أخرى، “تذكرنا بالشعور العميق بالظلم الذي يتملك سكان هذا الجزء من شمال شرق سوريا”.
وذكرت اللجنة في تقريرها، أن الغارات الجوية الإسرائيلية في جمع أنحاء سوريا على وقع حرب غزة تسببت ثلاث مرات على الأقل في سقوط ضحايا مدنيين، فيما قامت مجموعات تابعة لإيران بدورها باستهداف قواعد أمريكية في شرق سوريا أكثر من مائة مرة، وتلتها هجمات مضادة من الجانب الأمريكي.
وقالت اللجنة: إن ستة جيوش أجنبية ظلت نشطة في سوريا أثناء الفترة المشمولة بالتقرير، من 1 كانون الثاني/يناير إلى 30 حزيران/يونيو.
وقد وجدت اللجنة أن ما لا يقل عن 150 مدنيا، نصفهم من النساء والأطفال، قتلوا في شمال غرب سوريا، بما في ذلك من خلال استعمال الذخائر العنقودية في مراكز حضرية ذات كثافة سكانية مرتفعة في منطقة إدلب، موضحة أن معظم هؤلاء ارتقوا نتيجة هجمات عشوائية شنتها القوات الحكومية السورية، مؤكدة أن ذلك قد يرقى إلى جرائم حرب.
وأضافت اللجنة أن القوات التركية شنت العديد من العمليات ضد أهداف عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، وأكدت عدم شرعية الهجمات الجوية التركية التي أدت خلال فصل الشتاء الماضي إلى ضرب العديد من المباني الطبية وإحداث تدمير في محطة لتوليد الطاقة في السويدية بالحسكة، مما أثر على إمكانية وصول أكثر من مليون شخص إلى الماء والوقود وخدمات أساسية أخرى.
أما في الجنوب السوري، فقد أطلقت اللجنة تحقيقا بشأن مجزرة وقعت يوم 7 نيسان/أبريل في درعا حيث تعرض عشرة مدنيين، من بينهم طفلان، إلى الإعدام “بطريقة وحشية من طرف ميليشيات داعمة للحكومة تتألف بشكل كبير من متمردين سابقين قاموا بإتمام إجراءات المصالحة، ويقومون بترديد شعارات تنظيم الدولة”.
وقالت اللجنة إنه تم إعدام غالبية الضحايا “باستخدام سكاكين أو طلقات نارية من مسافة قريبة في إطار أعمال قد ترقى إلى جرائم الحرب المتمثلة في القتل والاعتداء على الكرامة الشخصية”.
وفي هذا السياق، قال عضو اللجنة “هاني مجلي”: “إن الأحداث في درعا كانت تحمل نفس بصمة بعض أبشع الفظائع المرتكبة خلال أكثر من عقد من النزاع السوري، في حين أن القوات الحكومية المتمركزة على بعد أمتار قليلة من المجزرة فشلت في التدخل وحماية المدنيين، مظهرة مدى انزلاق سوريا نحو حالة الفوضى”.
ووثقت اللجنة حالات للوفاة أثناء الاعتقال من طرف نظام الأسد، فيما قالت إن هناك “أسبابا معقولة تحملها على الاعتقاد” بأن النظام السوري واصل ارتكاب أعمال التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي وسوء المعاملة ضد أشخاص في أماكن الاحتجاز.
كما وثقت حالات لتعذيب وإعدام معتقلين في شمال غرب سوريا من طرف هيئة تحرير الشام.
وأضافت أن ممارسات الاعتقال القاسية استمرت في كل أنحاء سوريا، “مما يؤكد مجددا استمرار أنماط جرائم الحرب من طرف كل الجهات الفاعلة الممارسة للاعتقال، وكذا أنماط الجرائم ضد الإنسانية أثناء الاعتقال من طرف الدولة السورية”.
حذرت اللجنة أيضا من أن أزمة إنسانية في البلاد “تهدد بأن تصبح خارج السيطرة” على وقع النقص الحاد في التمويل وارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من الانعدام الحاد للأمن الغذائي، والذي بلغ 13 مليون سوري، فيما يُظهر أكثر من 650 ألف طفل “علامات تدل على توقف النمو الناجم عن سوء التغذية الحاد”.
وفي ظل الانهيار الاقتصادي وخفض الدعم وممارسات السلطات المحلية “القائمة على الافتراس”، اندلعت مؤخرا مظاهرات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والمعارضة.
وشدد عضو لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، “هاني مجلي”، على ضرورة الاستماع إلى صوت “السوريين الذين تحلوا بالشجاعة ونزلوا إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم”، وألا يتم قمعهم.
وقال: إن سوريا ما زالت تعاني من انعدام الأمن بشكل حاد، “ولا ينبغي لأي لاجئ سوري أن يُجبر على العودة في الظروف الحالية”.
يذكر أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية كانت قد أنشئت في آب/أغسطس 2011 للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة لقانون حقوق الإنسان المرتكبة منذ اندلاع الصراع في البلاد في وقت سابق من ذاك العام.