“كنت سألتقي بالأسد لو حضر قمة أوزبكستان”… ماذا وراء تصريحات الرئيس التركي الأخيرة
نشرت صحيفة “حرييت” التركية، الجمعة 16 أيلول/ سبتمبر، مقالا للصحفي التركي المقرب من حزب العدالة والتنمية “عبد القادر سلفي”، أشار فيه إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أروغان قال خلال اجتماع مغلق للحزب “أتمنى لو يأتي الأسد إلى أوزبكستان، كنت سألتقي به، لكنه لا يستطيع الوصول إلى هناك”، مضيفًا: “بسببه وبسبب موقفه سوريا على وشك الانقسام”.
وتابع أروغان في تصريحاته “لو جاء الأسد إلى إلى أوزبكستان لكنت التقيت به وقلت هذا في وجهه”، مضيفًا “ذهب إلى الحرب مع فصائل المعارضة للحفاظ على سلطته، لقد تجاهل تحذيراتنا لكنه لم يعتقد أن أمريكا وروسيا ستتدخل هناك، لقد اختار حماية سلطته ومع ذلك لم يستطع حماية معظم الأراضي السورية”.
لا شك أن التصريحات السابقة تؤكد مقاربة أنقرة الجديدة في علاقاتها مع نظام الأسد، إلا أن نظرة فاحصة في التصريحات قد تعطي بعض الدلالات الأخرى لما قاله أردوغان، والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
أولًا:
لم تكن تصريحات الرئيس التركي رسمية ضمن مؤتمر صحفي، أو ضمن اللقاءات الثنائية على هامش قمة شنغهاي المنعقدة في أوزبكستان، وإنما كانت ضمن اجتماع مغلق لحزب العدالة والتنمية، تم تسريبه عمدًا عن طريق صحيفة “حرييت” المقربة من الحزب الحاكم وهو ما يشير إلى رغبة قيادة العدالة والتنمية بتمرير بعض الرسائل للرأي العام التركي، أن تركيا منفتحة على سياسة تصفير المشاكل مع الجميع بما فيهم نظام الأسد ـ فيما لو كان مؤهلًا لأي تفاهم ـ
وكذلك إضاعة فرصة روسيا في الضغط على تركيا بما يتعلق بالتقارب مع النظام والمضي معها حتى النهاية، وإيصال رسالة لموسكو أن تركيا جاهزة في حال كان نظام الأسد جاهزًا لتقديم التنازلات والاستجابة للتحذيرات التركية، والتخلي عن “سعيه لحماية سلطته”.
ثانيًا:
لا يمكن القول إن أروغان كان جادًا في تصريحاته حول لقاء الأسد، وإنما وضع افتراضًا غير ممكن للقائه وهو قدومه لقمة شنغهاي الأمر الذي اعتبره أردوغان خلال كلامه غير ممكن.
مع الإشارة في هذا السياق إلى أن تصريح أردوغان جاء عقب تعليق لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في الاجتماع ذاته على أحد الأسئلة المتعلقة بلقائه مع الأسد في القمة، قال فيه أوغلو “الأسد لن يأتي إلى خماسي شنغهاي، لا توجد مثل هذه الدعوة”، قبل أن يقاطعه أردوغان ويدلي بتصريحاته، وهو ما يؤكد أن دوائر صنع القرار التركية المغلقة، لم تبت بلقاء يجمع الرئيس التركي بالأسد، وإنما كان رد أروغان ارتجاليًا لا يهدف لدعوة الأسد للقائه وإنما يحمل أهدافًا أخرى.
ثالثًا:
خلال التصريحات ذاتها أبدى الرئيس التركي استخفافًا كبيرًا بالأسد وازدراءً لسياسته بالتعاطي مع الثورة، وبدا كأنه يقول “لو أتى الأسد إلى أوزبكستان كنت سألتقي به لأوبخه على سياساته الفاشلة، وألقنه درسًا في أبجديات السياسة”.
وهو ما بدا واضحًا بكلمات مثل “لا يستطيع المجيء”، “لقد اختار حماية سلطته”، “لقد فشل في حماية معظم الأراضي السورية”، “لم يكن يعتقد أن أمريكا وروسيا ستتدخل”، “لقد تجاهل تحذيراتنا”، وأخيرًا بعيدًا عن أية دبلوماسية يضيف أردوغان: “كنت سأقول هذا في وجهه”.
رابعًا:
لقد مرر الرئيس التركي تهديدًا مبطنا لنظام الأسد وروسيا، عندما قال عن رأس النظام بشار الأسد “بسببه وبسبب سياسته سوريا على وشك الانقسام”، ما يعني أن تركيا لا تفكر في الخروج من مناطق سيطرتها مطلقًا ضمن المعطيات الحالية، و أن ما يرجحه الرئيس التركي للملف السوري في المستقبل القريب هو التقسيم.
مع الإشارة في هذا السياق إلى تصريحات وزير الخارجية التركي خلال قمة شنغهاي، والذي أشار إلى أن انسحاب قوات بلاده من الشمال والشمال الغربي لسوريا لن يكون من مصلحة أحد بما فيهم نظام الأسد.
وهو ما يعني أن تركيا من خلال علاقاتها مع نظام الأسد لا تفكر بالانسحاب مطلقًا من مناطق سيطرتها ـ وهو الأمر الذي يشترطه النظام لإحراز أي تقدم في المفاوضات بحسب التسريبات ـ وإنما تسعى لاستنساخ تجربة مشابهة لتجربتها في شمال العراق حيث تحالفت مع حكومة أربيل في إقليم كردستان ضد تنظيم ـPKK مبقية قواعدها العسكرية ونحو 10 آلاف جندي تركي هناك، ومستمرة بعملياتها العسكرية منذ العام 1997 وحتى الآن.
المصدر: مركز مسارات للحوار والتنمية السياسية