قصص مرعبة بعد كارثة درنة في ليبيا
انقشعت العاصفة “دانيال” التي ضربت مدن الجبل الأخضر شرق ليبيا أول أمس الأحد، لتكشف عن كارثة مروعة لم تشهد البلاد مثيلاً لها منذ زلزال المرج في ستينيات القرن الماضي. هذه الكارثة كانت أشد فصولها فتكًا وإيلامًا في مدينة درنة، حيث انهارت سدان كانا منصوبين لحمايتها من السيول الجارفة في فصل الشتاء.
كمية الأمطار القياسية التي هطلت على مدينة درنة تجاوزت 400 ملم في ظرف ساعات قليلة، ولم يتحمل السدان اللذان شيدا عام 1977 هذه الكمية الهائلة من المياه. وبعد الكارثة، تبين أن السدان كانا مبنيين على قاعدة ترابية مغطاة بطبقة أسمنت، وبهذه المواصفات ونظرًا لانعدام الصيانة وضعف التحرك الحكومي الاستباقي، فإن الأسباب وراء هذه الكارثة أصبحت واضحة.
لحد الآن، تم تسجيل أكثر من 3000 ضحية جراء السيول الجارفة التي جرفت كل شيء في طريقها إلى البحر بقوة تدميرية لا يمكن تصورها. السيول اجتاحت المنازل واختطفت الأحباء أمام أعين الناس، وتسببت في انهيار مبانٍ بأكملها، بما في ذلك عمارات سكنية ضخمة.
أحداث هذه الكارثة أدت إلى تفاقم الخسائر وارتفاع حصيلة الضحايا إلى أرقام مروعة. وقد شهد الناجون من هذه الفاجعة مشاهد مرعبة وصعبة تجربوها أثناء مواجهتهم للسيول الهائجة.
الكارثة في درنة شهدت وجود أمطار غزيرة جدًا في وقت قصير، مما أدى إلى فيضانات جارفة وزيادة مستوى المياه بسرعة كبيرة. هذه الحادثة أسفرت عن وفاة العديد من الأشخاص وتدمير الممتلكات، وتحتاج المنطقة إلى دعم عاجل للإغاثة وإعادة الإعمار.
بينما روت المدونة الدرناوية سندس شويب قصتها التي اقتربت فيها من الموت جراء السيول العنيفة، قائلة “شاهدت بأم عيني أطفالاً وبعضهم مواليد صغار عمرهم لا يتجاوز ربما يوماً أو يومين يحملهم السيل على ظهره وأنا أسمع بكاءهم، حتى إنني دعوت الله أن يعجل بوفاتهم حتى ينتهي ألمهم ويوقف صوت صراخهم الذي سيظل راسخاً في رأسي للأبد”.
وتابعت، “أما أنا، فقد أخذني السيل إلى أطراف بعيدة ومنسوب أقل للمياه ولكنني رأيت في هذه اللحظات المرعبة الموت وتكسرت عظامي، وكانت هناك إلى جانبي جثث وفوقي جثث وتحتي جثث قبل أن تقذفني السيول إلى مقر نادي ’دارنس‘، فلكم أن تتخيلوا معي كيف كانت حال الذين أخذهم السيل الكبير إلى جانب الوادي مباشرة”.
وأضافت أنها “حالياً موجودة في مستشفى شحات ولست قادرة على استيعاب ما حدث، آلاف الموتى يا ناس، والله آلاف الموتى رأيتهم بعيني قبل أن أتي إلى هنا، حتى إنني أحياناً أقول الحمد لله على نجاتي، لكن عندما أتذكر أن أهلي في عداد المفقودين وأخذهم الطوفان أتمنى لو أنني متُّ معهم لأن الذي حدث أكبر مني ومن قدرتي على الصبر والتحمل، ولست قادرة على استيعاب ما حصل في لحظة، كنت في غرفتي لأجد نفسي في الشارع وفوق جسم يجري بي بسرعة كبيرة جداً، ولم أكن أفهم ما يحدث ولا أعرف أين أنا وكيف ومتى حصل معي ما حصل”.
“قاوم يا أخي”
المأساة التي روى تفاصيلها من عايشوها في درنة وضواحيها، كانت بلا شك الأكبر من حيث الخسائر البشرية والمادية، لكنها لم تكن المدينة الوحيدة التي تسببت فيها السيول الجارفة بمآسي تفطر القلوب وبعض لحظاتها المؤلمة سجلتها عدسات المدونين بكل تفاصيلها ونشروها على مواقع التواصل.
أحد هذه المقاطع المؤلمة وأكثرها تداولاً، حادثة في مدينة البيضاء شرق درنة، يجرف فيها السيل المندفع بسرعة هائلة شخصاً، بينما يناديه شخص على جانب الطريق ويرجوه أن يقاوم بكلمات أحزنت كل من شاهد المقطع، قال له فيها بأعلى صوته “قاوم يا خوي قاوم أمسك في السيارة”، أي قاوم يا أخي تمسك بالسيارة التي أمامك، قبل أن يختفي الشخص الذي جرفه السيل ولم يعرف مصيره.
وتعتبر مدينة البيضاء وما جاورها من القرى الأكثر تضرراً جراء السيول التي خلفتها العاصفة “دانيال” في الجبل الأخضر بعد درنة، إذ تشير الإحصاءات التي نشرتها الحكومة الليبية التي يترأسها أسامة حماد إلى وقوع قرابة 60 ضحية بسبب السيول التي اجتاحتها مع عدد غير محدد من المفقودين حتى الآن.