تصاعد هجمات تنظيم داعش في البادية السورية ماذا بعد؟
مساء الجمعة 5 نيسان/ إبريل 2024 هاجمت مجموعات من تنظيم داعش تجمّع نقاط لقوات النظام السوري التابعة للفرقة 17 قرب بلدة معدان عتيق جنوبي الرقة، وثكنة شيحا في بادية التبني (العوسج) غربي بادية التبني بريف دير الزور الغربي، في المنطقة الواقعة قرب الطريق الرئيسي الرابط بين محافظة الرقة ودير الزور، مما أدى إلى مقتل عنصرين من قوات النظام والدفاع الوطني وإصابة 3 آخرين.
جاءت هذه الهجمات وسط تصاعُد نشاط التنظيم خلال الربع الأول من العام الحالي على نحو يتجاوز تحركاته في الأعوام الماضية؛ حيث لوحظ وصوله إلى أطراف بعض البلدات المأهولة الخاضعة لسيطرة النظام قرب الطريق الدولي الرابط بين الرقة ودير الزور مثل الشميطية في دير الزور ومعدان عتيق جنوبي الرقة، بينما كان التنظيم ينشط عادة جنوبي الحسكة ومناطق شرقي دير الزور وصولا للجنوب الشرقي من المحافظة إلى جانب نشاطه وسط البادية السورية، كما أنه ينشط بين الفينة والأخرى في منطقة الرصافة ومعدان جنوبي الرقة.
إنّ تصعيد داعش لهجماته يُشير إلى إعداده تصوراً مسبقاً عن توسيع نطاق عملياته في البادية السورية بما يتضمن تضاريس المنطقة وآليات الدخول إليها والخروج منها، ونوعية الأهداف التي يحرص على ضربها، ومواقع تمركزها، والخطوط اللوجستية اللازمة لإمداد عملياته في المنطقة، فيما يبدو أنّ التنظيم يعمد إلى مزيد من استنزاف قوات سوريا الديمقراطية وقوات النظام والميليشيات الإيرانية.
جاءت هذه التطورات بعد تركيز التنظيم في الفترة بين عامي 2022 و2023 على التموضع قرب الطرق الفرعية في البادية السورية، والتصعيد منذ آب/ أغسطس 2023 2023 من هجماته ضد قوات النظام والميليشيات الداعمة له على طول المنطقة المفتوحة بين بادية التبني غربي دير الزور وصولا إلى بلدة الكوم وبير رحوم جنوبي الرقة وانتهاء بمحيط السخنة وحقول الغاز والنفط القريبة منها.
تشير خارطة تحركات التنظيم وعملياته ونوعيات الأهداف التي يختارها إلى أنه يحرص على استنزاف النظام من جهة، وبناء تهديد واسع للطرق الرئيسية في البادية من جهة أخرى. لذلك فهو يلجأ لمنع وجود أي جهة قد تسرّب تحركاته فيها، وهو ما يفسّر عملياته المتصاعدة خلال آذار/ مارس 2024 ضد جامعي الكمأ والرعاة غربي دير الزور وجنوبي الرصافة، وقراره بمنع جميع الرعاة من الانتشار في المناطق التي تشهد تصاعداً لتحركاته فيها.
إن استشراف مستقبل تحرّكات التنظيم في البادية السورية مرتبط باحتمالات مختلفة أبرزها عودة التنظيم ليكون تهديدًا جدّيًّا وإستراتيجيًا مرةً أخرى في المنطقة الممتدة على طول خط السيطرة لقوات النظام في الرقة ودير الزور وبادية حماة وحمص الشرقية.
في الواقع إنّ تصاعد عمليات التنظيم في البادية السورية جاء متزامناً مع استمرار موجات التصعيد بين الميليشيات الإيرانية والقوات الأمريكية وكذلك بين الميليشيات الإيرانية وقوات النظام من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى، إضافة إلى انسحاب بعض مجموعات مرتزقة فاغنر والقوات الروسية من محيط مدينة السخنة وجنوبي الرقة وحقول الضبيات وصفيان للنفط والغاز، حيث منح ذلك التنظيمَ قدرةً على جمع المزيد من المعلومات وتحصيل موارد تمويليّة جديدةٍ عبر تحصيل الرسوم المالية من قوافل نقل النفط في المنطقة التابعة لعدد من موالي النظام مقابل عدم تهديدها.
غالباً ما سيسعى التنظيم خلال الفترة القادمة للسيطرة المتكررة نسبيًّا على المرافق الحيوية اقتصاديًّا كحقول النفط ومحطات الطاقة، إضافة إلى سعيه لإظهار وجود تحالفاتٍ اقتصاديّة وأمنيّة معه من قِبل بعض التجمعات المحلية تحت سطوة الأمر الواقع، فيما يبدو أنّه اقترب من الوصول إلى مستوى التهديد الإستراتيجي لقوات النظام وسط البادية السورية في ظل عجزها عن التعامل مع تصاعُد نشاطه في المنطقة رغم دعم إيران وروسيا لها.
المصدر: مركز جسور للدراسات