بين “البروباغندا” و”الحقيقة”… هل تقرع إسرائيل طبول الحرب في لبنان؟
تصاعدت حدة التصريحات والاشتباكات والقصف المتبادل بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وميليشيا “حزب الله” اللبناني خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك عما كانت عليه خلال الأشهر السابقة، فقد خرج بعض المسؤولين الإسرائيليين بتصريحات نارية تطالب بشن حرب واسعة النطاق على لبنان، فقد قال وزير المالية الإسرائيلي، سموتريتش لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “اذهب إلى الحرب مع حزب الله وأخضعه ودمره وحرك الشريط الأمني من الجليل إلى جنوب لبنان، كما عقد مسؤولون رفيعون في القيادة السياسية الإسرائيلية اجتماعًا مغلقًا لمناقشة التصعيد في الشمال، فضلًا عن دعوة كل من عضوي الكنيست غانتس وآيزنكوت إلى التوصل لاتفاق مع حماس للتفرغ للشمال وقتال حزب الله، في المقابل صعّد “حزب الله” من قصفه على مواقع وقواعد قوات الاحتلال واستخدم أسلحة أشد فتكًا وتطورًا، وتزامن ذلك مع مقتل المستشار العسكري في الحرس الثوري “سعيد آبيار”، بغارة شنتها إسرائيل على ريف حلب يوم الاثنين الفائت، وقد توعدت إيران بالرد على مقتل القيادي على لسان قائد الحرس الثوري “حسن سلامي”. ومع كل هذه التطورات السياسية والميدانية هل نشهد حربًا واسعة النطاق تبدؤها إسرائيل ضد لبنان وخصوصًا الجنوب القابع تحت سيطرة “حزب الله”، وتقوم بضرب البنى التحتية والفوقية للمرافق اللبنانية، أم أنّ الطرفين يستخدمان “البروباغندا” الإعلامية و يسيران على نهجهما السابق، مع الحفاظ على قواعد الاشتباك التي يتحدث عنها زعيم حزب الله في كل مقابلة له تقريبا، ويعود مسؤولو الاحتلال لترديدها بين الحين والآخر؟
إذا نظرنا إلى التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإسرائيليين فسنجدها تختلف عن سابقاتها من خلال رفع وتيرة التهديدات بشن حرب ضد لبنان، وما صاحب ذلك من زيارات ميدانية لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى المناطق الحدودية مع لبنان، وتأكيدهما على ضرورة التعامل بشكل جدي مع التهديدات التي تواجهها إسرائيل من قبل لبنان وحزب الله، وكذلك دعوة المسؤولين الإسرائيليين ومنهم سموتريتش نتنياهو للذهاب إلى الحرب مع حزب الله و”إخضاعه وتدميره وتحريك الشريط الأمني من الجليل إلى جنوب لبنان”، وفي الوقت نفسه، نجد أنّ حزب الله قد صعّد من هجماته ضد المواقع الإسرائيلية بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية، وأصبح يستهدف مناطق في العمق الإسرائيلي لم يكن يستهدفها من قبل، ففي تقرير لها، أوضحت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن “حادثة حرفيش الصعبة، التي توغلت فيها طائرتان مسيرتان مفخختان لحزب الله حتى المنطقة الجبلية دون أن يتم رصدهما، تثبت أن طهران و”حزب الله” حولا الجليل إلى معمل أبحاث وتطوير عسكري تمهيدًا لصراع واسع النطاق”. وأشار التقرير إلى أنه “في الآونة الأخيرة، تم استخدام جيل ثالث من الصواريخ المضادة للدبابات، وأن مجموعة من الخبراء من مجمع الصناعة العسكرية الإيراني تقوم بالتحقيق في كل عملية إطلاق”. ولفت التقرير إلى أن “الحادثة الخطيرة والتي قُتل فيها جندي الاحتياط رافائيل قادر، أثبتت مدى تحويل حزب الله وإيران الجليل في الأشهر الثمانية الأخيرة إلى أرض مهجورة ليس فقط من قبل سكانها، ولكن أيضًا إلى مختبر للبحث ولتطوير الأسلحة، من أجل الاستعداد بشكل أفضل وأكثر دقة وأكثر فتكا لمواجهة واسعة النطاق مع إسرائيل”. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على تغير واضح في قواعد الاشتباك السابقة ويرسم لقواعد أخرى ستظهر الأيام المقبلة مدى تأثيرها على الأوضاع الميدانية القائمة في الحدود بين “البلدين”.
في الجانب الآخر، نجد أنّ إسرائيل، ورغم التصريحات “النارية” لقيادتها ومسؤوليها، نجدها غارقة في رمال غزة وتخوض حربًا كبرى لم تشهد لها مثيلًا من قبل، وتحاول جاهدة أن تنهيها بشتى الطرق مع الخروج ببياض الجبين لكن دون فائدة، فمع رفعها لسقف النتائج بالقضاء على حماس واحتلال غزة وحكمها عسكريًا بعد الحرب، وجدت نفسها تراوح في المكان بعد ثمانية أشهر رغم الدمار الواسع الذي خلفته في أرض القطاع، وعليه فإنّ إسرائيل لن تورط نفسها بفتح جبهة جديدة في الشمال إلا بعد أن تحل قضية الحرب على غزة، وهذا ما تطابق مع تصريحات جديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” الذي أكد أن “تحقيق أهداف حرب غزة أولوية قصوى يليها التعامل مع الشمال”، وكذلك نقلت القناة ١٢ الإسرائيلية عن المؤسسة الأمنية قولها إنّ هناك “فرصة استراتيجية لبدء معركة الشمال لكن ليس قبل إنهاء العملية في رفح”، وأيضًا جاء ذلك متماشيًا مع ما نقلته أكسيوس عن مسؤولين أمريكيين أنّ “إدارة بايدن أبلغت إسرائيل تخوفها أن حربًا محدودة بلبنان خيار غير واقعي ويمكن أن يضر بأمن إسرائيل ويدفع إيران للتدخل في المعركة بشكل مباشر لمساندة حليفها الإستراتيجي في المنطقة وهو “حزب الله”.
لكنّ سيناريو تنفيذ ضربات داخل العمق اللبناني والعاصمة اللبنانية بيروت والبنى التحتية داخلها، وكذلك مواقع إستراتيجية وعسكرية لحزب الله يبدو الآن أكثر قربًا وواقعية، فإسرائيل التي تتعرض الآن لقصف في عمقها الداخلي وتُستهدف قواعدها ومواقعها العسكرية بشكل يومي لن تقف متفرجة بعد الآن، فقد كشفت مصادر بارزة قبل أيام أن غالبية الموفدين الدوليين نقلوا تخوّفهم من جدية التهديد الإسرائيلي بضرب لبنان، لكن أبرز الرسائل أتت من “الجانب البريطاني الذي حدّد موعدًا للضربة الإسرائيلية منتصف حزيران/ يونيو الجاري، مع نصائح بضرورة القيام بإجراءات التموين اللازمة للحرب التي لن يكون معروفًا مدى رقعة توسّعها ولا مدتها الزمنية”، فهل تسير إسرائيل بمسار توقيع اتفاقية “وقف إطلاق النار” مع غزة وتوجه بنادقها نحو لبنان بعد ذلك، أم ستبدأ بحربها بالتوازي مع الحرب التي تخوضها في قطاع غزة؟ هذا ما ستظهره الأيام القليلة القادمة.