التقارير الإخباريةمحلي

بعد احتكارها للقوى الناعمة “هيئة تحرير الشام” تتذوق مرارة تفلت إعلامها الرديف وتعرضها لحرب إعلامية داخلية

بعد أن ظهر “الجولاني” أنه قد ضمن تجديد البيعة والولاء له من الغالبية العظمى من عسكريي “هيئة تحرير الشام”، وبدا وكأنه جمع أركان الهيئة من الداخل ولم شتاتها، وحاول تهدئة الشارع بعد انفجاره باحتجاجات تطالب بإسقاطه وحل منظومته الأمنية؛ فإنه قد ظهرت حرباً إعلامية من نوع مختلف غير موجهة مباشرة إلى “الجولاني” تدور رحاها في أوساط الإعلام الرديف التابع للهيئة.

ومنذ إنشاء “هيئة تحرير الشام” ومن قبلها “جبهة النصرة” أبدت اهتماماً بتشكيل الإعلام الرديف، وخصصت له ميزانية مالية كبيرة، وكان سلاحها الأبرز ضد خصومها من الفصائل العسكرية، ومن المدنيين والناشطين وحتى العسكريين الذين زجتهم في سجونها بتهم العمالة قبل أن تعاود الإفراج عنهم.

وعلى خلاف الرواية الرسمية المتزنة للهيئة، كان إعلامها الرديف يصف خصومها بأبشع الطرق والوسائل، بشن حملات تشويه وإسقاط للشخصيات المناهضة للهيئة، وتلميع كبير لإنجازاتها، فضلاً عن بث الرواية التي تريد الهيئة الترويج لها.

حيث يعمل إعلامها الرديف بهيكلية منتظمة، ويقوم على غزو أفراد الجيش الإلكتروني التابع للهيئة مختلف مواقع التواصل الاجتماعي عبر حسابات وهمية، حسابات تنتحل صفة النساء تارة، وصفة أطباء ودكاترة في الجامعات وشخصيات مثقفة تارة أخرى، وذلك كله من أجل خلق رأي عام يشيطن خصوم الهيئة ويبني رأياً عاماً كاذباً حول تأييد الحاضنة الشعبية لها.

يرصد أفراد الجيش الإلكتروني المعروف محلياً بالذباب الإلكتروني منشورات الناشطين وطلاب الجامعات ومختلف فئات المجتمع، وينسخ روابط المنشورات ويضعها في مجموعات خاصة به، ثم يوجه مشرفو المجموعات الذباب للهجوم على المنشور بأعداد كبيرة وفق تعليمات وتعليقات محددة.

وينشط أيضاً أفراد الجيش الإلكتروني في مختلف المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مجموعات البيع والشراء على فيسبوك “أسواق المستعمل” ويروجون للهيئة ومؤسسات “حكومة الإنقاذ”، ويبثون الدعاية التي تريد الهيئة إيصالها للشارع والرأي العام.

وكان أول من كسر احتكار الهيئة للإعلام الرديف والجيش الإلكتروني، “أبو أحمد زكور” حيث أسس قريبه “همام عيسى الشيخ” قناة “إدلب بوست” على تلغرام، وكانت القناة للمتابع الخارجي وحتى لأبناء الهيئة واحدة من قنوات إعلام الهيئة الرديف، تنقل جميع التصريحات والمنشورات وتشارك كل ما يشاركه الرديف.

وفي حزيران 2022 أصدرت تحرير الشام تعميماً داخلياً لأتباعها يحذرهم من التعامل مع عدد من قنوات التلغرام التي قال التعميم إنها تدّعي التبعية لإعلام الهيئة الرديف، وخص قناة “إدلب بوست” بالاسم، وأكد التعميم على عدم تبعية القناة وقنوات أخرى لم يسمها للهيئة، وعدم دراية الهيئة بمن يديرها ولمن تبعيتها، وحظر البيان على منتسبي الهيئة التعامل معها وإرسال أي معلومات أو صور أو فيديوهات لها، تحت طائلة المساءلة، وفق ما جاء في التعميم.

وبقيت تنشر ما ينشره الإعلام الرديف، بل تحولت نحو مزيد من الشهرة عبر التفرد بأخبار حصرية قبل نشرها على الإعلام الرسمي أو الرديف، ولم تتأثر “إدلب بوست” بالتعميم، بل ظهرت بعد ذلك تبعية غير مباشرة ومعلنة، تربط قناة “إدلب بوست” بكل من القياديين السابقين في هيئة تحرير الشام أبي أحمد زكور وأبي مارية القحطاني، فكانت تنشر صورهما بشكل دوري، وأطلقت على القحطاني لقب “الخال”، اللقب المنتشر بشكل واسع في أوساط الهيئة حالياً.

وظهرت تبعية “إدلب بوست” بشكل واضح لزكور، وذلك مع تفجر قضية العملاء داخل هيئة تحرير الشام في منتصف عام 2023 واعتقال القحطاني وملاحقة زكور فيما بعد، وكشف القائمون عليها عن هوياتهم وهم من أقارب زكور، وتحولت القناة إلى أكبر منبر إعلامي خصم لإعلام هيئة تحرير الشام الرسمي والرديف، وباتت بوصلة كل من يريد متابعة تطورات الأحداث الدائرة داخل هيئة تحرير الشام، فنشرت معلومات من داخل الهيئة عن مجريات القضية، وأسماء معتقلين، ومعلومات عن محققين وأمنيين وجلبت صورهم وحتى وثائق ثبوتية خاصة بهم.

ولقد شكلت “إدلب بوست” حالة فريدة واختراقاً كبيراً وكسراً لاحتكار هيئة تحرير الشام للإعلام الرديف، فكانت سلاحاً خاصاً بأحد الأطراف داخل الهيئة، استخدمه بالشكل الأمثل خلال مواجهته مع الجولاني، وأثبت هذا السلاح نجاعته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى