مقالات الرأي

باسل معراوي يكتب لـ”داماس بوست”: هل سيستخدم بوتين السلاح النووي في أوكرانيا؟

 

ليس خافيا على أحد الورطة الهائلة التي وجد بوتين نفسه فيها وهو في الشهر العاشر من حربه على أوكرانيا، وليس أدل على ذلك من قرارين اتخذهما في الآونة الأخيرة وهما قرار التعبئة واستدعاء قوات من الاحتياط، وقرار ضم أربع مقاطعات أوكرانيات الى الاتحاد الروسي بعد استفتاءات هزلية.

فقرار التعبئة يعكس مدى المصاعب والإخفاقات التي يواجهها الجيش الروسي مؤخرا، حيث فشلت قوات الصف الأول المحترفة والمفترض أنها مدربة تدريبا جيدا، فماذا ستقدم قوات الاحتياط من إضافة ميدانية مهمة، وقد تمكنّا من رؤية بعض ردود أفعال الشباب الروس على ذلك القرار، بالاحتجاج عليه بشوارع المدن الروسية أو طوابير السيارات المغادرة للأراضي الروسية والهارب ركابها من التعبئة العسكرية، إضافة إلى حجز كل تذاكر الطيران الممكنة إلى الدول المجاورة والتي تمنح دخول السكان الروس بدون تأشيرات دخول.

لقد فقد الجيش الروسي بعد هزائمه الأخيرة في خاركيف وليمان وخيرسون زمام المبادرة، وبات الانسحاب العشوائي وترك الأسلحة والعتاد لأهم الخطوط الدفاعية التي بنتها موسكو مؤخرا هي المشهد الغالب، وبالتالي لن يمكّن الجيش الأوكراني من بناء دفاع خطوط قوية ثانية ويستغل حالة الارتباك القائمة الان في مسرح العمليات.

حتى إن النصر الوهمي الذي حاول الرئيس الروسي تقديمه للداخل والحلفاء بالخارج بضم اراض دولة مجاورة كان باهتا وغير مقنع، ولم يردع ذلك الجيش الأوكراني من دحر القوات الروسية من مدينة ليمان وهي من الأراضي التي ضمتها روسيا مؤخرا، بمعنى لم يعترف الجيش الأوكراني بذلك الضم ولم يعتبرها أراضي روسية وسيستمر بمهاجمتها.

يبدو أن الرئيس الروسي وجيشه لم يعد يتمتع بأي درجة من درجات الهيبة وباتت تهديداته لاتخيف أحدا ولا تصرف في سوق الصراع.

وكان الرئيس الروسي وبعض المسؤولين الكبار في الدولة الروسية قد هددوا مرارا وتكرارا باستخدام السلاح النووي في الحرب الدائرة حاليا، وأظن أن القيادات السياسية للدول الغربية تدرك أن تلك التهديدات ليست حقيقية بمعنى عدم القدرة على تنفيذها عمليا على الأرض   وإنما المقصود منها طمأنة الداخل الروسي ورفع حالته المعنوية ومواجهة للجمهور في الديمقراطيات الغربية لتخويفه والضغط على حكوماته لتخفيف دعمها لأوكرانيا والبحث عن حل سياسي.

وقد كان رهان بوتين منذ البداية إحداث الشرخ بين الدول الأوروبية نفسها وببنها جميعا وبين الولايات المتحدة، والتاثير أيضا على الرأي العام الغربي بتخويفه من قطع إمدادات الطاقة وارتفاع معدلات التضخم والغلاء واكتساح اليمين المتطرف للانتخابات العامة، فبعد فشل اليمين الفرنسي بالانتخابات الرئاسية تقدّم اليمين السويدي والإيطالي في الانتخابات العامة.

التورط الروسي في أوكرانيا يشابه التورط الأمريكي في فيتنام والسوفييتي في أفغانستان

تورّطت الولايات المتحدة في الحرب الأهلية الفيتنامية، وتدخلت بكامل قوتها إلى جانب الفيتناميين الجنوبيين في محاولة منع قوات الشمال الفيتنامي الشيوعي من السيطرة على البلاد وفرض سلطة الحزب الشيوعي.

وقد كانت الولايات المتحدة خارجة لتوّها من نصر كبير في الحرب العالمية الثانية واستخدت فيها قنابل نووية ألقيت على هيروشيما وناغازاكي، وكانت المقاومة الشمالية الفيتنامية تلقى دعما كبيرا من عدوتي الولايات المتحدة في الحرب الباردة الدائرة رحاها في ذلك الوقت، وهما الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية، وصحيح أن القوات الأمريكية قتلت 500 ألف فيتنامي شمالي لكنها بالمقابل خسرت 58 ألف جندي أمريكي وتعرضت لهزيمة مذلة واندحرت من فيتنام مع حلفائها وخلقت عقدة فيتنام عند الشعب الأمريكي، إلا أنها لم تستخدم السلاح النووي لحسم الحرب ووهن عزيمة الخصوم.

أيضا عندما واجه الاتحاد السوفييتي في حربه الطويلة التي دامت عقدا كاملا في أفغانستان وتعرض لخسائر هائلة وهزيمة نكراء، لم يفكر القادة السوفييت باستخدام سلاح نووي تكتيكي على الأقل في أي منطقة من مناطق الصراع.

يبدو أن تفاهما دوليا “غير مكتوب” بين القوى النووية في العالم أن القنابل الأمريكية النووية والتي ألقيت على اليابان بخواتيم الحرب العالمية الثانية هي أول وآخر الأسلحة النووية التي يتم استخدامها، بمعنى أن السلاح النووي هو سلاح دفاعي استراتيجي، وضعت كل دولة عقيدتها النووية بشكل متقارب مع الدول النووية الأخرى.

العقيدة النووية الروسية

في حديثه في شهر آذار الماضي لصحيفة الغارديان، ديمتري ميدفيديف، والذي يشغل حاليا نائب رئيس مجلس الامن القومي الروسي وفد شغل سابقا منصب رئيس روسيا ورئيس وزرائها، قال إن العقيدة النووية لروسيا لن تتطلب من دولة معادية إطلاق النار أولا وأدرج أربعة سيناريوهات لاستخدام روسيا أسلحتها النووية:

1- إذا تعرضت روسيا لهجوم بصاروخ نووي.

2- إذا تم استخدام أي اسلحة نووية أخرى ضد روسيا أو حلفائها.

3- إذا تعرضت البنية التحتية الحيوية لهجوم يشل الردع النووي.

4- إذا تم إرتكاب عمل عدواني ضد روسيا وحلفائها يهدد وجود الدولة.

لم ولن ينزلق الناتو لاختراق بنود العقيدة النووية الروسية وقد صرح مرارا أنه ليس طرفا بالحرب ولا ينوي أن يكون، إنما يقدم الدعم للمقاومة الأوكرانية والشعب الأوكراني وهم يلقنون الروس دروسا لن ينسوها.

وقد أثبتت الحرب الأخيرة أن أي دولة نووية عظمى تريد خرق القانون الدولي لن تستطيع فعل ذلك ولن يعطيها امتلاك الأسلحة المدمرة هذا الحق وهي ستعاقب ويمكن لقوى محلية صغيرة محاربتها بل الانتصار عليها، وهذا الدرس موجه للدول النووية المارقة كالصين وكوريا الشمالية وإيران الساعية لذلك السلاح.

ولا بد من الإشارة في النهاية لرواية تروى عن بوتين في إجابته عن سؤال لصحفي حول ماذا ستفعل روسيا إذا تعرضت لهجوم نووي من دولة ما؟ أجاب نذهب كلانا إلى العالم الآخر.

بقلم: د. باسل معراوي

الأفكار الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي داماس بوست

د. باسل معرواي

باحث وكاتب في الشأن السوري ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى