مدونة " داماس بوست"

أسامة القاضي يكتب: “من غورو إلى يفيموف: ما بين الانتدابين الروسي والفرنسي في سوريا”

خلال الفترة ما بين 1920 و1946 كانت كل من سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، الذي أُقرّ بموجب المادة الثانية والعشرين من ميثاق عصبة الأمم، بتاريخ 25/ 4/ 1920، وتعاقب على منصب المندوب الفرنسي في سوريا ولبنان اثنا عشر مندوباً؛ أولهم الجنرال هنري غورور (عمل ما بين 1919-1923) وآخِرهم الجنرال جون بينيه (1944-1946)، ورغم مساوئه إلا أنه كان مسؤولا عن الأمان والتعليم والغذاء وشق الطرقات وبناء نواة الدولة الحديثة في سورية.

منذ تعيين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سفيره في دمشق ألكسندر يفيموف (ممثلاً رئاسياً لتطوير العلاقات مع سوريا)- وفقاً لتعبير بوتين في مرسوم التعيين، والانطباع لدى السوريين أن روسيا عيّنت رسميا المندوب السامي لها في سوريا على طريقة الانتداب الفرنسي.

دأبت روسيا على التنصل من مهامها كدولة انتداب في سوريا منذ دخولها الأراضي السورية في سبتمبر 2015 فهي حتى لا تُسهم في تزويد النظام السوري بالنفط والقمح وهي أكبر مصدر له في العالم.

 

اعتبر السوريون أن روسيا دولة انتداب قامت بتجريب 320 نوعَ سلاحٍ حسب تصريح وزير دفاعها، وقامت برمي المدنيين السوريين بكل أنواع القذائف والصواريخ، واتبعت سياسة الأرض المحروقة كما تفعل الآن في أوكرانيا.

 

الفرق بين سوريا وأوكرانيا أن لدى الأوكرانيين رئيسا يحب وطنه وشعبه، أما في سوريا فإن رئيسها استقوى على شعبه باستدعاء روسيا وإيران ومعها ميليشيات طائفية لقتل وتهجير الشعب السوري، وتحققت معظم أهداف المشروع الفارسي بتهجير 13 مليون سوري، وتم تدمير بِنْيتها التحتية عن طريق اتباع الانتداب الروسي “سياسة الأرض المحروقة”، حتى تحولت سوريا إلى ثلاث مناطق نفوذ، منطقة نفوذ روسي حيث يتواجد النظام السوري، ومؤسساته وجيشه وشبيحته، ومنطقة نفوذ أمريكي، وأخرى منطقة نفوذ تركي.

 

بعد 12 عاما من العذابات السورية وضياع السيادة السورية على الجغرافيا السورية، ما زالت مناطق النفوذ الروسية في سوريا وفي قلب العاصمة دمشق ينتشر فيها الجوع وانعدام الأمن والأمان، وشحّ الوقود والخبز الكهرباء، وحيث إنه بات أكثر من 95% من السوريين تحت خط الفقر، بل وصل السوريون في تلك المنطقة إلى درجات الجوع والفقر المدقع لم يعيشوها منذ الحرب العالمية الأولى، بسبب إهمال الروس لمنطقة نفوذهم إدارياً، بعد أن دمروها عسكرياً وهجروا معظم أهلها وساندوا النظام في اعتقال وتعذيب مئات الألوف.

 

كل ذلك بسبب إصرار الإدارة الروسية على دعم النظام السوري وعدم الدفع بحل سياسي حقيقي يعيد اللاجئين والنازحين بيوتهم بشكل آمِن، رغم محاولات روسيا التي لم تنجح في عقد لقاء في 11-12 نوفمبر 2020 من أجل عودة اللاجئين وكان ذلك المؤتمر فاشلاً وبلا قيمة ليس فقط بسبب مقاطعة الدول له، بل لأن شروط الأمان للاجئ السوري العائد غير موجودة أصلاً، فكانت عبارة عن مهزلة ومحاولة عبثية.

لم يكتفِ الانتداب الروسي مع حلفائه من النظام وإيران بقصف وتهجير السوريين بل آثر الروس وحلفاؤهم استمرار الاعتداء وقصف مخيمات ومناطق النازحين السوريين الذين هربوا من حمم الصواريخ والمدافع الروسية.

 

نظرة موضوعية إلى واقع الوجود الروسي في سوريا تعطي انطباع نية الروس في البقاء لأكثر من نصف قرن على الأقل في سورية، خاصة أن الروس وقّعوا اتفاقية مع النظام السوري للبقاء في قاعدة حميميم (في حمص-سوريا) داخل سوريا لمدة خمسين عاماً، وعقود أخرى مثل الاستيلاء على مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً تمدد تلقائياً لمدة ربع قرن، وعشرات العقود طويلة الأمد، إذاً فهم لا ينوون الخروج من سوريا، فهم بحكم دول الانتداب التي كانت متواجدة في أوائل القرن الماضي.

 

على اعتبار أن الأمم المتحدة لا تشرّع استعمار الدول، ولكن هذه القوى الاستعمارية موجودة في سوريا، ولأنه لا توجد بنود خاصة في قوانين الأمم المتحدة تخص قوى الانتداب، لذا فإنه League of Nations ينبغي علينا اللجوء للمادة 22 من قانون عصبة الأمم التي أُسست عام 1920 ومقرها جنيف، حيث كانت متواجدة قبل الأمم المتحدة التي فشلت في تطبيق ولا حتى جزء صغير من قراراتها وخاصة تطبيق المادة 2254 والكثير من القرارات والبيانات الأممية التي تخص سوريا، وتاريخ الأمم المتحدة يشهد بفشلها في كثير من الأوقات في تطبيق قرارات لصالح الأمم الضعيفة بسبب تركيبتها وحق الفيتو وطريقة أدائها الإداري.

 

علينا إذا التعامل مع ما تصرّح به المادة 22 في عصبة الأمم والتي ينبغي على روسيا الالتزام بها كقوى استعمارية وبشكل واضح والتي مفادها: إلى تلك المستعمرات والأراضي التي لم تَعُدْ، نتيجة للحرب المتأخرة، خاضعة لسيادة الدول التي حكمتها سابقًا والتي تسكنها شعوب لم تتمكن بعد من الوقوف بمفردها في ظل الظروف الصعبة للعالم الحديث ، ينبغي تطبيق المبدأ القائل بأن رفاه هذه الشعوب وتنميتها يشكلان أمانة مقدسة للحضارة وأن ضمانات أداء هذه الثقة ينبغي أن تتجسد في هذا العهد.

إن أفضل طريقة لإعطاء تأثير عملي لهذا المبدأ هو أن الوصاية على هذه الشعوب يجب أن توكل إلى الدول المتقدمة التي بحكم مواردها أو خبرتها أو موقعها الجغرافي يمكنها أن تتحمل هذه المسؤولية على أفضل وجه ، والتي هي على استعداد لقبولها ، وأن هذه الوصاية يجب أن تُمارَس من قِبلهم بصفتهم منتدبين نيابة عن العصبة.

 

يجب أن تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن إدارة الإقليم في ظل ظروف تضمن حرية الوجدان والدين ، بشرط الحفاظ على النظام العام والأخلاق ، والحظر، والانتهاكات مثل تجارة الرقيق ، وتهريب الأسلحة وتجارة الخمور ، ومنع إنشاء التحصينات أو القواعد العسكرية والبحرية والتدريب العسكري للمواطنين لأغراض أخرى غير أغراض الشرطة والدفاع عن الأراضي، وكذلك تأمين تكافؤ الفرص للتجارة والتبادل التجاري للأعضاء الآخرين في العصبة.

 

أما ما يتحدث عنه الإعلام لإضاعة الوقت وزيادة عذابات السوريين حول الحل السياسي حسب مسار جنيف والقرار 2254 فقد دفنه الروس مع النظام السوري منذ زمن بعيد، ونعاه رسميا مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر  لافرنتييف، في ديسمبر 2021 حين طالب وفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، بألا يؤدّي الدستور السوري الجديد إلى إبعاد بشار الأسد عن السلطة! وقال: “إن إنشاء الدستور السوري الجديد يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في ذلك البلد”.

 

وأضاف أن “حكومة النظام راضية عن الدستور الحالي! وفي رأيها لا داعي لتعديله!. وإذا رأت المعارضة ضرورة في ذلك يمكن النظر في المقترحات التي تهمها وطرحها على التصويت في استفتاء أو الموافقة عليها بأي صيغة أخرى”..

ومضى لافرنتييف في تصريحه الاستفزازي قائلاً: “لكن إذا سعى شخص ما إلى هدف وضع دستور جديد من أجل تغيير صلاحيات الرئيس، وبالتالي محاولة تغيير السلطة في دمشق، فإن هذا الطريق لا يؤدي إلى شيء”.

 

بناءً على ما سبق، وبما أن العَلَم الروسي وصور الرئيس الروسي في كل مكان في سوريا، لماذا لا يطالب العالم روسيا بأن تعلن الانتداب الرسمي على سوريا وتقوم -بحسب مبادئ عصبة الأمم المادة 22- بمهامها الإدارية وتنهض بالمستوى المعيشي السوري، وتخلق فرص عمل لجيوش العاطلين عن العمل، وتضمن حرية الأفكار والدين، وتحافظ على النظام العامّ والأخلاق.

 

وكذلك على الانتداب الروسي في سوريا أن يحظر الانتهاكات مثل تهريب الأسلحة وتجارة المخدرات والكبتاغون بعد أن أصبحت سوريا عاصمة الكبتاغون للأسف، وتمنع إنشاء التحصينات أو القواعد العسكرية والبحرية والتدريب العسكري للمواطنين لأغراض أخرى غير أغراض الشرطة والدفاع عن الأراضي، وتقوم بتأمين الغذاء والدواء والوقود والكهرباء والماء، وتكافؤ الفرص للتجارة والتبادل التجاري مع العالم.

 

الانتداب الروسي كقوة مستعمِرة لا بد أنها ستقوم بفرض تداول الروبل الروسي إلى جانب الليرة السورية، ليس لقوة الروبل الروسي ولكنه على الأقل أكثر استقراراً من الليرة السورية كعملة دولة أفشل دولة في العالم، وبذلك يقوم الانتداب الروسي بالتزاماته الاقتصادية في سوريا خاصة أنه استولى بعقود إذعان مع النظام السوري على كل الثروات السورية من نفط وفوسفات ومرافئ وغيرها لأكثر من نصف قرن دلالةً على نيته في الاستقرار في سوريا.

 

وتبقى المهمة الكبرى للانتداب الروسي هي إخراج أكثر من 400 قاعدة ونقطة عسكرية لإيران وميليشياتها الطائفية من منطقة النفوذ الروسي، كي لا يوجد قوتان مستعمرتان في آنٍ معاً في موقع جغرافي واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى