قراءة في “سياسية تركيا النقدية الجديدة” والآثار المترتبة عليها
بعد توتر العلاقات التركية مع الغرب قبيل الانتخابات الرئاسية وما حملته تلك الفترة من تأثير سلبي على الاقتصاد وتدفقات الاستثمار، فقد بات من الأهمية بمكانٍ تطبيع العلاقات وتعزيز السبل اللازمة لجذب تدفقات رأس المال إلى البلاد، والبحث عن خطة اقتصادية عاجلة تنهض بالاقتصاد التركي وتخرج البلاد من حالة الركود الاقتصادي.
وقد أعلن البنك المركزي التركي اليوم، الخميس 24 آب أغسطس، عن رفع معدل الفائدة من 17.5% إلى 25%، لصل لمستوى يقارب قيمة الليرة أمام الدولار.
ويرى الناظر ان السياسة الاقتصادية التركية قد اختلفت تمامًا لما كانت عليه قبل الانتخابات التركية، ليبقى التساؤل هل كانت سياسة أردوغان عبر تبني سياسة تخفيض سعر الفائدة، خاطئة؟
ويرى محللون أن سلسلة التغييرات الجذرية قامت بها الحكومة التركية، بتعيين الاقتصادي التركي “محمد شيمشك” لتولي منصب وزارة المالية، كذلك تولي “حفيظة أركان” لمنصب محافظ البنك المركزي، تعطي دلالة واضحة على أن سياسة تركيا كانت خاطئة في تلك الفترة.
حيث يعد شيمشك وحفيظة من المحسوبين على التجربة المالية الرأسمالية، لعملهما في بنوك ومؤسسات مالية غربية كبيرة، وتعد السياسة النقدية المتشددة، من أبجديات تلك المؤسسات.
وبعد قيام وزير المالية برفع سعر الفائدة إلى نسبة 15% يوم 22 يونيو/حزيران 2023، ذهب البعض إلى أنها دون المتوقع، وبخاصة من قبل خبراء اقتصاديين غربيين وبنوك الاستثمار الغربية، التي كانت ترى ضرورة ألا تقل نسبة الفائدة عن 40%، وأن يرتفع سعر الصرف لأعلى من 25 ليرة للدولار.
فيما يراهن محللون آخرون على أن تستطيع تركيا تحمل تبعات سياسة “التشدد النقدي” برفع سعر الفائدة، لما لها من آثار سلبية متمثلة في الركود وارتفاع معدلات البطالة من أجل تقليص التضخم.
ومن الآثار المترتبة على تلك الخطة “تراجع معدلات النمو”، حيث يخشى من السياسة النقدية الجديدة، أن تؤدي إلى اتجاه المدخرات إلى البنوك في ظل رفع سعر الفائدة، مما يؤشر إلى تراجع النمو، وزيادة معدلات البطالة التي وصلت إلى 10.25% في نوفمبر/تشرين الماضي، وفقا لبيانات معهد الإحصاء التركي.
كذلك قد تؤدي إلى “ارتفاع تكاليف الإنتاج”، حيثً يخشى في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، أن يؤثر ذلك سلبا على ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع معدلات النمو، وتتأثر سلبًا الصادرات السلعية.
نعم يؤدي انخفاض قيمة الليرة إلى زيادة الصادرات السلعية، نظرا لمرونة الجهاز الإنتاجي التركي، ولكن لا يستقيم الأمر على المدى المتوسط والطويل، فلا بد أن تكون هناك نقطة، ويرتد هذا الأثر الإيجابي إلى أثر سلبي.
كذلك قد “تتأثر سوق الأوراق المالية”، حيث سيكون هناك أثران متضادان في “البورصة التركية”.
الأول إيجابي نظرًا لتراجع قيمة العملة المحلية، مما يشجع المدخرين على الاتجاه للبورصة لامتلاك أصول من خلال الأسهم والسندات للحفاظ على قيمة مدخراتهم من التضخم، والثاني سلبي، فارتفاع سعر الفائدة يشجع المتعاملين بالبورصة على الذهاب للبنوك، حيث إن العائد مجزٍ، ويجنبهم مخاطر التعامل بالبورصة.
كما يخشى أيضًا من خطورة اللعب على وتر “الأموال الساخنة”، حيث تعتمد السياسة النقدية الجديدة، على الحصول على المزيد من النقد الأجنبي، من أجل استقرار سعر الصرف، غير أن هذا الخيار غير آمن، وعانت منه اقتصاديات الدول الصاعدةً، فمع مرور الاقتصاد العالمي بأي تقلبات، أو وجود سعر فائدة أفضل في مكان آخر، تهرب هذه الأموال، وتترك آثارا شديدة السلبية على سعر الصرف.
وينبه المحللون أن يجب على تركيا في حال مضت في تبني سياسة سعر الفائدة، فعليها أن تستكمل بعض الجوانب الضرورية والمكملة لها والمتمثلة في تقليل آثارها السلبية، من خلال الحفاظ على أداء النشاط الإنتاجي الحقيقي من السلع والخدمات، ومحاربة المضاربات في كافة المجالات.
كما يتوقع أن تكون الفترة المقبلة حتى نهاية عام 2023، كافية للتعرف على اتجاهات السياسة الاقتصادية لتركيا، وماذا أنتجت توجهات شيمشك بشأن السياسة النقدية وأثرها على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بتركيا.