في خضم الحرب… نهب لآثار متحف السودان القومي وعرضها للبيع جنوب السودان
كشفت مديرة الهيئة القومية للآثار والمتاحف في السودان، الدكتورة “غالية جار النبي”، عن تفاصيل جديدة حول سرقة آثار متحف السودان القومي.
وأكدت أن السرقة حدثت بالفعل، وأنها علمت بها قبل حوالي شهر أو أكثر، لكنها فضّلت إبقاء الأمر طي الكتمان لضمان نجاح جهود تتبع اللصوص دون إثارة شكوكهم.
وأوضحت “جار النبي” أن لصوص الآثار إذا شعروا بانتشار الخبر، فقد يلجؤون إلى تدمير أو إخفاء الآثار المسروقة، مشيرة إلى أن توجيهات السلطات العليا والأجهزة الأمنية قضت بإبقاء الواقعة سرية تمامًا.
حتى الشخص الذي أبلغ عن السرقة اختار أن يظل مجهول الهوية، وقد قام بإرسال صور تُظهر بعض القطع الأثرية معروضة للبيع في المناطق الحدودية بين السودان وجنوب السودان، وكذلك داخل جنوب السودان.
وأضافت: “بعد مراجعة الصور تأكدنا أن المخزن الخاص بالقطع الأثرية في المتحف تعرض للسرقة، لكن لا يمكننا حتى الآن الجزم ما إذا كان المخزن بأكمله قد نُهب أو فقط أجزاء منه. علمًا أن قاعات العرض داخل المتحف كانت خالية من القطع الأثرية التي نُقلت إلى المخزن المحصن لأغراض الصيانة”.
وأكدت “غالية جار النبي”، أنهم استعدوا للأسوأ، مفترضين أن كل القطع قد نُهبت. وقالت: “بادرنا بالتحرك على هذا الأساس، وبدأنا بإبلاغ الجهات الإقليمية والدولية، مثل منظمة اليونسكو والإنتربول، بالإضافة إلى كل الهيئات المعنية بتعقب واسترداد القطع الأثرية المسروقة، لإعادة هذه الكنوز إلى وطنها”.
لكن وسط تحركاتهم الهادئة، فوجئوا بتسرب النبأ وانتشاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفعهم إلى الإفصاح عن الواقعة علنًا.
واختتمت حديثها بالكشف عن تقارير تفيد أن الاستخبارات العسكرية رصدت خروج شاحنتين محملتين بآثار في بداية هذا العام باتجاه جنوب السودان، موضحة أن الهيئة لم تتحقق بعد من صحة هذه التقارير ولم تطلع على الصور التي تؤكدها.
يُعدّ متحف السودان القومي في الخرطوم من أكبر المتاحف السودانية، ويقع في شارع النيل بالقرب من قاعة الصداقة. يطل المدخل الرئيسي على النيل الأزرق، وهو قريب من ملتقى النيلين الأبيض والأزرق.
افتُتح المتحف في عام 1971م على يد الرئيس الأسبق جعفر نميري، بعد تحضيرات بدأت منذ الستينيات. يعرض المتحف تطور الحضارة السودانية من العصور الحجرية وصولاً إلى الفترة الإسلامية، مع التركيز على الآثار النوبية والمسيحية.
يتميز المتحف بفناء وحديقة كبيرة تُعدّ متحفًا مفتوحًا يحتوي على معابد، مدافن، وتماثيل تم إنقاذها من مناطق سدّ العالي، وأعيد تركيبها حول حوض مائي يُمثّل نهر النيل، لتبدو وكأنها في مواقعها الأصلية.
من أبرز هذه المعابد: سمنة شرق، سمنة غرب، بوهين، إضافةً إلى مقبرة الأمير حجو تو حتب وأعمدة كاتدرائية فرس.
تأسس المتحف أولاً عام 1904 في كلية الآداب، ثم افتُتح في موقعه الحالي عام 1971. يحتوي المتحف على مقتنيات وكنوز أثرية متنوعة من جميع أنحاء السودان، تغطي فترات تاريخية تمتد من عصور ما قبل التاريخ إلى فترة الممالك الإسلامية. تشمل المعروضات تماثيل، منحوتات، أدوات زينة، أسلحة، وآنية مصنوعة من الحجر، الجلد، البرونز، الحديد، والخشب.
يضم المتحف القاعة الرئيسية والمتحف المفتوح في الحديقة (المعابد والمدافن)، بالإضافة إلى معرض الصور الذي يغطي فترات مختلفة من تاريخ الحضارة السودانية.
يذكر أن متحف السودان القومي يوجد في المناطق الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع بالعاصمة السودانية منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي.