تتجلى ملامح النضج السياسي والعسكري في معركة “رد العدوان” من خلال عدة عناصر رئيسية:
تنطلق بداية من تسمية المعركة: اختيار اسم “رد العدوان” بدلاً من الأسماء التقليدية السابقة مثل معركة “فتح حلب” يعكس رغبة المقاتلين في إيصال رسالة واضحة للعالم، بأن هذه المعركة هي دفاع عن الأرض والحقوق.
عنصر المباغتة والفاجأة: على الرغم من انتشار أخبار المعركة والشائعات المحيطة بها منذ أكثر من شهر، فإن توقيت انطلاقها كان مفاجئًا لقوات نظام الأسد، الدليل على ذلك هو سقوط مستودعات أسلحة نوعية في يد المقاتلين، مما يدل على التخطيط الاستراتيجي المحكم والقدرة على تنفيذ عمليات بشكل غير متوقع.
الإعلام المنظم: تم التركيز على التصريحات الرسمية وظهور الناطق العسكري، مما ساهم في نقل صورة واضحة عن سير المعركة، كما تم إصدار بيانات صارمة من قبل وزارة الإعلام في حكومة الإنقاذ تمنع نقل أخبار أو تصوير التحركات العسكرية، وذلك لحماية العمليات العسكرية من أي تسريبات قد تؤثر على سيرها.
التعاون بين الفصائل: شهدت المعركة مشاركة واسعة لفصائل الشمال السوري سواء من فصائل الفتح المبين أو الجيش الوطني والتي كانت تعاني من خلافات أيديولوجية، وهذا التعاون يعكس تماسك الجبهة الداخلية، من نبذ الفصائلية والمناطقية واجتماعهم، وقد تميزت هذه المعركة لم يسبق أن حدث في تاريخ الثورة السورية وهو عدم رفع أي راية ضمن معركة رد العدوان.
أهداف المعركة: لم تعلن الفصائل المشاركة عن أهدافها الحقيقية ولم ترفع سقف مطالبها بشكل علني، لكن يبدو أن هناك تركيزًا على المحافظة ككل، مما يدل على استراتيجية قتالية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق استقرار شامل.
استراتيجيات جديدة: استخدمت الفصائل المشاركة أساليب وتكتيكات جديدة في القتال، متجنبة الأساليب التقليدية، حيث ظهرت بعض التقنيات المتقدمة مثل طائرات الاستطلاع والمسيرات الانتحارية، وهذا التقدم يشير إلى أن لدى المقاتلين الكثير من الأدوات والسيناريوهات التي لم تُستخدم بعد خلال فترة الصراع مع نظام الأسد.
التنسيق في العمليات: تم تخصيص الطرقات لعمليات الإخلاء والإسعاف، مع ترك طريق خاص للمدنيين “معبر دير بلوط”، مما يدل على مستوى عالٍ من التنسيق والتنظيم، هذا التنسيق يساهم في تقليل الازدحام والحوادث الناجمة عن عمليات الإخلاء والإسعاف.
محاولة استجلاب الدعم الدولي: تم التركيز أيضًا على أهمية إرسال صورة بأن العملية تهدف لاسترجاع حقوق الشعب السوري المغتصبة ورفع الظلم ونشر الأمن والاستقرار بعد حملات شرسة من النظام وميليشياته، بالإضافة لأمر القادة بالتزام جميع المقاتلين بالأخلاق الإسلامية والاتفاقيات الدولية لمعاملة الأسرى.
وفي الختام لابد أن نتحدث عن موقف نظام الأسد من المعركة: وننطلق بذلك من الحديث عن عودة مشاركة طيران نظام الأسد فإن ذلك يعكس الوضع الحالي للنظام وتوجهاته في سياق المعركة
هل تخلت روسيا عن نظام الأسد؟: إن استعادة استعمال طيران نظام الأسد “سيخوي” لمهامه القتالية قد يعكس تخلي روسيا جزئيًا عن دعم نظام الأسد المتهالك، مما يضعه في موقف ضعف، إلا في حال دعمه مجددًا من قبل حليفيه روسيا وإيران.
وبالنسبة للحليف الثاني للنظام: نجد أن إيران وميليشياتها، وخاصة “حزب الله”، تمر حاليًا بأضعف مراحلها بعد معركة استنزفت مواردها بشكل كبير في مواجهة إسرائيل، وبالرغم من ذلك قامت إيران بإرسال تعزيزات عسكرية من دير الزور وحمص إلى خطوط التماس.
وهذا الأمر يستدعي من فصائل “ردع العدوان” أخذ الحيطة والحذر، حيث يتعين عليها تقييم جميع السيناريوهات المحتملة بعناية، فإن استمرار إيران في دعم النظام يفرض على فصائل ردع العدوان اتخاذ استراتيجيات فعالة لمواجهة أي تصعيد محتمل.
معركة إثبات وجود: فبالنسبة لنظام الأسد، تعتبر هذه المعركة بمثابة فرصة لإثبات وجود ما تبقى من جيشه، ويترافق ذلك مع مخافة استرداد حلب وسقوط مدوي (قد يهدد بقائه).
النظام يأخد الطابع الدفاعي في المعركة: مجريات المعركة تُظهر أن المعركة بالنسبة للنظام أصبحت دفاعية بحتة، وهذا يتناقض مع سلوكياته السابقة، حيث كان يعتمد على قصف المدنيين بشكل همجي ومكثف من غير أي اشتباك، ومع بدء المعركة حاول النظام الضغط على الفصائل بشن هجمات أشد وطأة على المدنيين في محاولة منه لإيقاف توغل فصائل ردع العدوان، وذلك ما يجعل النظام يتبنى أساليب غير متوقعة.