إدلب بين المعركة المحتملة والواقع المرير… مكاسب سياسية ومغامرة عسكرية على حساب الأرواح
تواصل الوسائل الإعلامية التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أكثر من شهر ونصف، حيث تروج بشكل عشوائي لمعركة مرتقبة في إدلب، تهدف الهيئة من خلال هذا الترويج إلى شن هجوم ضد مواقع نظام الأسد، مما تسبب في حالة من الفوضى والقلق بين ملايين المدنيين.
خلال هذه الفترة، بدأت الحسابات المرتبطة بـ “هيئة تحرير الشام” والنشطاء المحسوبون عليها بالتسويق لمعركة تهدف إلى “تحرير مدينة حلب”، معتبرين أن الظروف الحالية، مع انشغال النظام وإيران وميليشياتهم في الحرب اللبنانية، تتيح الفرصة لذلك، لكن هذا الترويج أفقد المعركة أحد أهم عناصر قوتها: وهو عنصر المفاجأة، مما دفع النظام وميليشيات إيران لتعزيز مواقعهم العسكرية.
وفي الوقت الذي تصاعد فيه القصف الروسي على ريف إدلب، لم تستجب “هيئة تحرير الشام” بشكل فعّال للقصف المستمر، ومع ذلك، استمرت الرسائل الإعلامية في الترويج لمعركة وشيكة، حيث قامت الهيئة بتحريك قواتها في عدة مناطق، مما اعتبره نشطاء بمثابة استعراض للقوة أمام المدنيين.
وأدى هذا الترويج إلى خلق حالة من الذعر والفوضى بين السكان، حيث بدأت حركة نزوح كبيرة لمئات العائلات من قرى ريف حلب الغربي وإدلب نحو المجهول، ورغم تداول أخبار المعارك بين المدنيين، لم تظهر أي بوادر حقيقية لبدءها.
وكما يرى العديد من المتابعين أن المعركة المرتقبة، إذا ما حدثت، لن تكون سوى مغامرة عسكرية تهدف لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية للجولاني، فهو يسعى لتصدير الأزمات الداخلية التي تعاني منها الهيئة، خاصة مع تزايد الاحتجاجات ضده والمخاوف من تكتلات داخلية قد تهدد سلطته.
ومن جهة أخرى، يحاول الجولاني إرسال رسائل سياسية إلى كل من تركيا وروسيا، مفادها أن الهيئة لن تكون طرفًا سهلًا وأن لها دورًا في الحل السياسي، يأتي ذلك قبيل انعقاد جولة جديدة من مفاوضات أستانا، والتي من المتوقع أن تسفر عن نتائج جديدة تتماشى مع التغيرات الإقليمية.
ويحذر النشطاء من أن أي مغامرة عسكرية في الوقت الحالي قد تؤدي إلى عواقب كارثية على جميع الأصعدة، سواء عسكريًا أو إنسانيًا، كما يشيرون إلى مخاطر تسليم مناطق في ريف إدلب مقابل الحصول على مكاسب في شمال حلب عبر تنسيق روسي- تركي.
واستشهد هؤلاء النشطاء من مشاريع التسليم التي سبق أن اتبعها “الجولاني” في ريف إدلب الجنوبي حيث سقطت مدن بأكملها منها كفرنبل ومعرة النعمان وخان شيخون وأريافها، في ظل حديث عن إمكانية المقايضة بين “جبل الزاوية وتل رفعت” ليكون للهيئة موضع قدم شمالي حلب بتنسيق تركي.
ويرى آخرون أن القوة العسكرية التي تتمتع بها “هيئة تحرير الشام” ليست بالسهلة، وأن الهيئة تملك إمكانيات كبيرة لشن معارك بهدف التحرير، تتم بالتنسيق مع جميع الفصائل وفق خطط مدروسة، أما ما يجري اليوم برأيهم لا يتعدى الجعجعة الإعلامية والتي بدت آثارها السلبية على عموم المناطق المحررة قبل أن تبدأ وفق تعبيرهم.
وعلى الرغم من أن “هيئة تحرير الشام” تمتلك إمكانيات عسكرية كبيرة، إلا أن ما يحدث يبدو وكأنه مجرد “جعجعة إعلامية” دون خطط مدروسة، وفي ظل غياب الدعم الحكومي للنازحين، يجد المدنيون أنفسهم مجبرين على مواجهة خيار التشرد مرة أخرى.
ويأتي ذلك في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تضع شريحة واسعة من الأهالي في مناطق شمال غربي سوريا، تحت خط الفقر والعوز مما يصعب عليهم العثور على مسكن بديل علاوة على العجز عن تحمل تكلفة النزوح المضني.
وحسب المراصد فإن المعرفات المقربة من “تحرير الشام” تشارك بشكل أو بآخر في تدمير المعنويات وتعزيز حالة الإحباط من خلال المبالغة ورفع مستوى التوقعات التي لا تُبنى – وفق المصادر – على أي معطيات واقعية فلا يزال التفوق الجوي حاضرًا للعدو وكذلك فإن الحشودات الواصلة تضع نظام الأسد في حالة تأهب للهجوم المتوقع.
ومدعت المراصد محذرة إلى ضرورة كف معرفات الهيئة عن التلاعب بنفسية الأهالي ممن يتجرعون مرارة النزوح مع حلول فصل الشتاء، ولا تزال تراودهم أحلام العودة إلى مناطقهم المحتلة، ومع كل ذلك يبقى كل مهجر وثائر يرنو إلى تحرير الأرض وخوض معارك حقيقية مضمونة النتائج دون الاتجار بدماء وتضحيات الشعب السوري.