لم تتوقف حربنا مع نظام المجرم بشار الأسد ولا مع الميليشيات الإرهابيّة التي استقدمها من إيران والعراق ولبنان فملئت سورية نتناً وخَبَثاً، وكذلك قوات الاحتلال الروسي.
وجبهاتنا ما تزال متوترة تفتر قليلاً ثمّ يحمى وطيسها، ولكن لا يتجاوز هذا التوتر والسخونة في الجبهات حدَّ القصف والردّ والصدّ من بعيد، أمّا عملية التحرير فهي متوقفة منذ تدخّل الجانب التركي ليُبرّد هذه المسألة.
والآن وفي ظلّ ما تعيشه المنطقة من فوران وغليان لا سيما في فلسطيننا ولبناننا الحبيبين حيث العدوان الصهيوني الغاشم، والذي لا يَقلّ إجرامه عن إجرام إخوانه الإيرانيين وحزب الله اللبناني والنظام السوري، فأظنّ أنّ هذا التوتر الحادّ يجب أن يُحرّك جبهات ثورتنا السورية وبشكل واسع وسريع اغتناماً لهذه الفرصة.
لماذا الآن؟
حسب رؤيتي الأجواء الآن مشحونة جداً والوقت مُناسب – مع أنّ قرار قادة ثورتنا الكرام هو الأصل، فهم في ميدان المعركة، ورؤيتهم أوضح من رؤيتي، حيث أني بعيد عن مسرح القتال والنزال، ولكن مع ذلك لا يمنع من عرض ما عندي، فالحكمة ضالّة المؤمن أينما وجدها هو أحقّ بها – فروسيا غارقة في وحل أوكرانيا، وفي سورية هي مربوطة اليدين تشاهد الأحداث من بعيد على الساحة الفلسطينية واللبنانية وبعض النقاط السورية، فهي لا تملك الكلمة في لجم العدوان الإسرائيلي عن حلفائها السوري والإيراني، بينما يكون ردّها المباشر في الشمال السوري المحرر على المخيمات والمدنيين، بل لا تستطيع منع أو إبعاد القصف الصهيوني عن محيط أكبر قاعدة لها في سورية “قاعدة حميميم” في الساحل السوري، ولا أستبعد تأييدها لما تفعله إسرائيل بعناصر إيران وحزب الله في سورية.
إضافة إلى حالة الجمود التي أصابت موسكو بعدما شعرتْ بالتفاقم السريع لهذه المسألة، فالبارجات الأمريكيّة بدأت بالتحرّك اتجاه سواحل المتوسط.
أمّا إيران فهي في ورطة كبيرة لا تستطيع حماية عناصرها الذين يتساقطون واحداً تلو الآخر، وحزب الله غارق في شرّ أعماله، فقادته تلاشت وتبخّرت، وقوته تتآكل وتتحلل، وبالنسبة لقواته في سورية فبعضها يحاول أن يلتحق بجبهة لبنان أو لا يلحق، فصواريخ إسرائيل تتبّعه خطوة بخطوة، وحليفه بشار يَمدُّ إسرائيل بمواقع الحزب في سورية، فالظاهر أنّه قرر التخلّي عنه وعن إيران ليحمي رأسه من القصف على مبدأ “ألف كلمة جبان ولا كلمة الله يرحمه” ومقولة “ألف عين تبكي ولا عين أمي”.
وأمّا القوات الإيرانية فقد خفّت حركتها في سورية، فبعضها فرّ إلى إيران والعراق وبعضها يبحث عن ملجأ آمن، والنظام السوري جمّد وأغلق العديد من المكاتب الإيرانية في حلب.
هذا حال القوات الحليفة لنظام المجرم بشار الأسد في سورية، وهي التي أنجدته من السقوط منذ عام 2012، فلم يبق في الميدان غير الخَوّان، لذلك أقول بأنّ تحرّك وفتح جبهات الثورة في سورية مناسباً الآن.
وهناك أمر أهمّ وأخطر، وهو حال الجو الثوري والشعبي والإنساني في حال هجوم إسرائيل على سورية.
ما معنى هذا؟
أقصد أنّ مُعظم الشعوب الآن تتعاطف مع غزّة الصامدة وقضيتها العادلة، وهناك عدد مقبول من الحكومات مع أهل غزّة (ولو بالكلام فقط) وضدّ إسرائيل وممارساتها الوحشيّة، إضافة إلى أنّ هناك فئة ساذجة (من العرب وغيرهم) تتمتع بذاكرة السمك وبلادة الحمار، فهذه الفئة تتعاطف مع مَن يُعادي إسرائيل – ولو كذباً – فترى البعض الذين كانوا يلعنون إيران وحزب الله ويمقتون طائفيتهم، وينكرون عليهم جرائمهم الكارثية بأهل سورية والعراق واليمن، بل ويطالبون العالم والمجتمع الدولي بإيقاف هذا المحور الإرهابي وضربه، فترى أنّ هذه الفئة اليوم أخذتْ تنحاز شيئاً فشيء لصالح مُجرمي إيران وحزب لبنان لأنّهم لعبوا لعبةَ عداء إسرائيل، ولست الآن بصدد تفنيد كذب ونفاق هذا العداء الظاهر بين محورين مجرمين لا يقلّ إجرام أحدهما عن الآخر.
إنّ من المتوقّع الآن أن توجّه إسرائيل ضربة للنظام السوري، لا لأنّه عدوها أو خصمها اللدود بل على العكس تماماً، فعائلة الأسد من أكثر العوائل قُرباً وعمالة وخدمة للكيان الصهيوني منذ عقود، ولكن الصهيونية تعمل وتؤمن بالقواعد المافياويّة حيث تستخدم الشخص لمدة، ثم تقوم بتصفيته عند انتهاء مهمّته، ليجدوا عميلاً جديداً بديلاً عنه، فإن قامت إسرائيل باستهداف النظام بشكل مباشر فأظنّ عميلها بشار ونظامه سيردّ بقصف مُحدد ومُؤقت لإسرائيل يُشبه قصف إيران لها، أو قصفها لإيران أو أقلّ من ذلك.
عندها ستقوم هذه الفئة التي ذكرتها بالدخول إلى الإعدادات والبدء بمسح بعض الذاكرة الإجرامية لهذا المجرم، وهكذا كلما اشتدّ الوقع بين الطرفين ترى هذه الفئةَ تكبُر وتزدادُ حتى تَمسحَ كاملَ الملف الإرهابي لسفاح الشام، بل لا تقتصر على ذلك فهي ستقوم بلوم وتجريم ثوار سورية معارضي النظام السوري حتى يصل لومها إلى الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، وهذا ما سيضع من خسة هذا السفاح المنبوذ، ويخفض بالمقابل شعبيّة الثورة السورية المباركة.
فتحريك جبهات الثورة ضدّه حينئذ لن يكون في صالحنا أبداً، فالكثير من هؤلاء سيقف ضدّنا كما رأينا اليوم من بعض ثوّار وأحرار العالم العربي والإسلامي كيف تسممت عقولهم بسهولة بما يسمى الردّ الإيراني على إسرائيل أو بكذبة مقاومة حزب الله اللبناني.
وأظن – وأرجو ألا يَصدق ظنّي – سيصل الانقسام إلى صفوف ثورتنا أيضاً (لا قدّر الله) فستقع قواتنا المُسلّحة الحرّة في حيرة وتردد، هل يضربون قوّات النظام الذي يَتظاهر بضرب إسرائيل فنكون في صفّ إسرائيل على النظام، فتوصف عندئذ الثورة بالخيانة؟
أم أننا نسكت ونحن نرى إسرائيل تدخل أرضنا وتقتل المدنيين من أهلنا ونحن نتفرّج فقط! وهذا ليس من ديننا ولا من شيمنا، ولكن هذا السكوت سندفع ثمنه من سُمعة ثورة الحريّة والكرامة والعدالة.
والحلّ طبعاً عند أصحاب ذاكرة السمك – مَن تكلمنا عنهم والذين ينشطون في هذه الأثناء في تلميع إيران وحزبها الفاسد – ليقترحوا لنا سبيلاً واحداً فقط ألا وهو نسيان الماضي وتأخير حساب السفاح الذي قتل مليون شهيد سوري، وشرّد نصف سكّان سورية، واعتقل وغيّب مئات الآلاف من الأبرياء، ودمّر البلد وباعها للمحتلّين.. كما أنّهم سيُبدعون في تَعويم مقولة “عدو عدوي صديقي”، و”الآن موقتها”، و”أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب”، وسيتفانون في تطّعيم عوامل الإخاء والمحبّة والتعايش والسلام بين القاتل والمقتول وبين الذئب والحمل، وسيأخذ بعض علمائهم وشيوخهم وخطبائهم بإصدار الفتاوى التي تفتي بحرمة قتال بشار المجرم، وبوجوب النزول تحت شرعيته لتوحيد الجهود ضدّ العدو الصهيوني، ومن يخرج عن هذه الفتوى يوسم بالخيانة العظمى لفراره فيجب إقامة الحدّ عليه.
وهكذا تُمسح الثورة السورية من الوجود بعد شيطنتها، وتذهب تلك الدماء البريئة التي سُفكت على أنّها فتنة جرت بين الإخوة، وتلك أمّة قد خلتْ، والواجب إخماد تلك الجراح والمآسي، عندها يغدو لديهم المجرم بشار المخلّص البطل لهذه الأمّة! وتنقلب الموازين فيصبح المجرم مجاهداً بطلاً، والثائر المظلوم ظالماً وخائناً..
فهذه سناريوهات مُتوقّعة مع أنني أجزم بأنّ سفاح الشام لن يتجرّأ رمي رصاصة على إسرائيل، فالجميع يعلم أنّه خائن لشعبه وعميل لبني صهيون، ولكننا وصلنا إلى وقت اختلّت فيه التوازنات الدوليّة، وأصبحت المعارك والحروب ليست مُجرد مناورات ومسرحيات وقواعد اشتباك بل أمستْ كسر عظم وإثبات وجود حسب ما نرى في فلسطين ولبنان وجنوب سورية، كيف لا والمجرم “نتنياهو” يريد تغير اسم معركة “السيوف الحديدية” التي أُطلقت ضدّ معركة “طوفان الأقصى” بعملية “يوم القيامة”.
فتحريك جبهاتنا اليوم سيحرق تلك السيناريوهات – التي ستجعل من المظلوم ظالماً – وسيكسب ثُوارنا وأحرارنا هذه الجولة بإذن الله إن اتحدتِ الرؤى والأفكار والكلمات، وتضافرت الجهود وشُحنت العزائم والهمم بحبِّ التحرير والخلاص. أمّا الجانب التركي فلا أظنّه سيكسر تلك الإرادة إن كانت على قلب رجل واحد.
فلا تفوتوا هذه الفرصة الثمينة، واعلموا أنّ النظام السوري المجرم يخشى تحركنا في هذه الأوقات تحديداً، فقد زادت هجماته الاستباقية منذ بدأ القصف (الحقيقي) الإسرائيلي على ميليشيات حزب الله، فتلك مؤشرات على ضعفه وخوفه من تحرّك الشمال السوري المحرر.
نسأل الله تعالى أن يُلهمنا ما هو خير لنا ولأمتنا جمعاء، وأن يخرجنا ممّا نحن فيه من الذلّ والهوان والاستكانة، إنّه سميع مجيب.